الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

«نوت»

«لا تملكون دفتر ملاحظات وتقويم سنوي؟ كيف تخططون حياتكم؟ كيف تعيشون بدون أن تعرفوا ماذا تريدون الآن وإلى أين تريدون الوصول لاحقاً؟ بدون دفتري هذا أشعر أنني ضائعة، كيف تمضي حياتكم بهذه العشوائية»؟ بلهجةٍ شديدة وبانفعال صرخت الأستاذة الجامعية في وجهونا في أول تعارف لنا، وكنا حينها مصدمين من ردة فعلها هذه حين علمت أننا لا نملك دفتر تقويم سنوي وملاحظات. لا أعرف إن كنت الوحيدة في ذلك، لكني كنت ممن لا ينسى شيئاً أبداً في طفولتي، كنت أحفظ الـ«النوتة» الموسيقية خلال دقائق معدودة بمجرد أن أنظر إليها وأنا أعزف، أتذكر شرح الدروس جميعها كلمةً كلمة، أركز في كل شاردة وواردة حدثت خلال اليوم، قبل أنام أستحضر يومي كاملاً صوتاً وصورة، بالألوان والحركات واللفتات لأرى إن كنت قد نسيت أن أقوم بعملٍ ما وأتأكد أني قد أنجزت جميع واجباتي المنزلية والحياتية كذلك، حتى إني كنت أتذكر الروائح التي كانت تتغطى في كل مشهدٍ من الفيلم اليومي لحياتي وأنا أسترجعه. أغلب زملائي وأصدقائي كانوا في ذلك الوقت مثلي تقريباً. هل كان ذلك لأننا في عمرٍ صغيرٍ ولم تتزاحم في عقولنا بعد أمور الحياة الأخرى التي كانت في «عالم الكبار» من حولنا، هل كانت العقول لا تزال حينها «خام»؟ مع بداية ولوجِنا إلى عالم الكبار ذاك، بدأنا ندرك بالتدريج أن مقولة «ذاكرة حديدية» ليست صحيحةً تماماً، نعم، قد نتذكر أحداثاً معينة بكل دقةٍ وتفصيل على الرغم من مشاغل الحياة اليومية، إلا أننا لا يمكننا أن ننكر أننا ننسى، وقد تفوتنا أمور مهمة جداً لأننا لم نتذكرها، أحياناً، تفوتنا الحياة ذاتها. ليتنا تعلمنا استخدام الـ «نوت» كما قالتها أستاذتنا بلغتها الإنجليزية منذ الصغر، كان يجب أن نتعلم آليات التنظيم واستخدامه منذ نعومة أظفارنا، ليس للتذكر فقط وتنظيم الأعمال، لكن التدوين يفتح لصاحبه آفاقاً أخرى لم تكن في الحسبان. [email protected]