الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

مدن للناس لا للسيارات

لن أنكر سعادتي بإغلاق البقالة القريبة من منزلنا، أصبح المكان هادئاً ولم أعد أسمع أصوات منبهات السيارات تطلب من العامل في البقالة أن يخرج لكي يطلب أصحابها شيئاً ما، وبعضهم يفعل ذلك بصوت عالٍ يكفي لأعرف ما يطلبه صاحب السيارة! ومرة رأيت من يقف أمام البقالة لخمس دقائق وهو يضغط المنبه بلا توقف وأنا واقف أراقبه أريد معرفة ما سيفعل، ويبدو أنني لا أؤمن بأن من راقب الناس مات هماً، لأنني في تلك اللحظة كنت سأموت ضحكاً، خصوصاً بعد أن اضطر صاحب السيارة المحترم لأن ينزل من سيارته ويدخل البقالة ويشتري ما يريد في أقل من دقيقة، ولسان حالي يقول بلهجة مصرية أحبها: طيب من الأول! البقالة ستعود للعمل بعد أيام قليلة، فقد أغلقت لتعديلها لتتوافق مع المواصفات الجديدة، وفي هذه الفترة اضطر كثير من الناس ممن يعيشون حول البقالة إلى أن يعتمدوا في مشترياتهم البسيطة على المحال الكبيرة، ويعني ذلك أنهم اضطروا لاستخدام السيارات للذهاب إلى تلك المحال، أمر لا شك ضايق الكثير وما زال مشكلة حتى اليوم للبعض. وقد تحدثت مقالات في الصحف وفي الشبكة عن الأمر، يحتاج المرء أشياء قليلة أو ربما شيئاً واحداً فيضطر للذهاب إلى أقرب جمعية أو محل كبير بسيارته بدلاً من أن يمشي إلى البقالة القريبة. المدن يفترض بها أن تصمم للناس قبل السيارات، هذا ما أؤمن به وهذا ما أجده في صالح المدن على المدى البعيد، لكي يكون الناس أكثر تواصلاً وأكثر صحة يجب عليهم أن يخرجوا من سياراتهم ليعتمدوا على أقدامهم، هناك فرق كبير بين أن تلتقي بإنسان وتصافحه وتحدثه مباشرة، وبين أن يمر شخص ما بسيارته ويضغط على منبه السيارة لكي يلقي السلام، في كثير من الأحيان لا أعرف من فعل ذلك، لأن المخفي يخفي وجه سائق السيارة، لكنني أرفع يدي في كل حال. لاحظت مؤخراً، أن إجراء صيانة بسيطة للسيارات يحتاج أن نذهب إلى مصفح، كذلك الأمر مع صيانة أشياء كثيرة في المنزل، فالمحال المتخصصة في هذه الأمور نقل كثير منها إن لم يكن كلها إلى مدينة مصفح، بمعنى أننا قد نحتاج مرة لشيء بسيط فلا نجده إلا بالذهاب إلى مصفح، وهو أمر لا أستطيع تقبّله، نقل هذه المحال لتلك المنطقة البعيدة يجعل الناس أكثر استخداماً لسياراتهم، وهذا يسير عكس التوجه العالمي في كثير من المدن التي أنجزت أو تحاول أن تصبح مدناً قابلة للمشي أكثر. فصل المناطق السكنية والتجارية والصناعية فكرة تبدو منطقية، لكنها قد تكون من أسوأ ما يحدث لأي مدينة، الناس بحاجة لمناطق مختلطة الأنشطة لكي يستطيع المرء أن ينجز معظم ما يحتاجه من دون الاعتماد على سيارة. أن نحاول فصل الأشياء عن بعضها بعضاً، ونحاول أن نجعل المدينة نظيفة وأنيقة هو أمر لا شك رائع، لكنه يجب ألا يكون على حساب أمور أخرى، ومن بينها زيادة الاعتماد على السيارات. الحديث عن الصحة والرياضة ازداد هذه الأيام وجزء من المشكلة أننا نعتمد على السيارات في كل شيء، وفي المراكز التجارية هناك السلالم المتحركة وفي البنايات العالية هناك المصاعد، فمتى يضطر المرء للحركة؟ تحويل المدن لأماكن قابلة للمشي أكثر ومصممة للناس قبل السيارات سيجعل الناس يمارسون المشي أكثر، وهذا جزء من حل مجموعة مشاكل صحية ناتجة عن قلة الحركة. بالمناسبة، البقالة بتصميمها الجديد لم تعد تختلف عن تصاميم البقالات الأخرى، وهذه خسارة حقاً، اسمها الآن «بقالة» فقط ولم يعد للمكان شخصية خاصة به، ألا يمكن للبقالات أن تتبع المواصفات الجديدة من دون أن تفقد شخصياتها؟ مجرد سؤال صغير. [email protected]