الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

جناية أهل

في استفتاء عرضته صحيفة الرؤية بشأن مصير زواج القاصرات من كبار السن جاءت ردود الفعل إيجابية إلى حد ما، أي إن ٦٧ في المئة منهم رأوا بأنه يفشل ويتسبب بآثار سلبية تنعكس على المجتمع. رغم إيجابية النسبة يبقى هذا استفتاء وليس حلاً، يعني أن المشكلة صامدة لم تتحرك من مكانها بعد، ولم تشبع بالدراسات التي تطهرها من الأرومة، نحن نحوم حولها ولا نلمسها. زواج القاصرات في العالم العربي تحوّل إلى ألغاز وأحاجٍ مطلوب تفسيرها، لأنها تحدث من وراء حيطان مسلحة، ما يعطيها حصانة تجعل الإعلام غالباً لا يصل إليها بسهولة، وعادة نلقي باللائمة على قلة الوعي أو أطماع الآباء في إنهاء صفقة بيع فتياتهم كأي منتج ملصق على سطحه شفرة خيطية، لكن مادمنا نحن كأغلبية نقر بجورها فلم لا نوقف عبث الأهالي الذين حوّلوا بيوتهم إلى بيئة طاردة تسعى للتخلص من الفتيات بأي ثمن؟ هناك أسر خلقت مناخاً كارثياً ومأزوماً في البيت يجعل الفتاة تتمسك بأي خيط للخلاص من هذا الطقس حتى وإن كانت غير متهيئة لمسألة معقدة كالزواج، لكنها اختارت البديل المجهول لتدلف إليه بأعصاب مشدودة وتستقبل مصيرها وحدها، ثم ما تلبث أن تتضح لها الأمور و«يلعب الفأر في عبّها» بألف فكرة قد تكون غير متحفظة ولا هيابة تغريها بإنهاء الأمر وإن كلفها حياتها. وماذا نتوقع من دفع صغيرة إلى مغامرة ليست من طورها ولا عالمها؟ ثم لا تسأل بعد ذلك عن علاقتها بأبويها لو عادت بينهما، لأن البر وإن كان مسلماً به بحاجة إلى عطاء وتضحيات يقدمها الأهالي للصغار أولاً، ثم يقدرها هؤلاء الأبناء فيما بعد، لكن أن تدفع بهم إلى السلخانة ثم تنتظر إحسانهم فـ «أفتكر لك إيه يا بصلة وكل قطمة بدموع». ولعلنا سمعنا بحكاية الطفلة التي عقد قرانها على تسعيني بإحدى مناطق السعودية، وما إن انفرد بها في البيت حتى هرعت إلى الحجرة وأغلقت على نفسها الباب يومين من الرعب، هذه جناية يتحمل شطرها ذووها بالتأكيد، وشطرها الآخر هذا التسعيني المعتوه. هذا ليس ظلماً فقط، فهل أجد عندكم كلمة أكبر حجماً من الظلم؟ ومع ذلك، فهناك دائماً معارضون لتحديد سن الزواج وتفعيل صوت الرفض، وهناك نسبة تعتقد بأنه مجرد زواج، فرص نجاحه وفشله متساوية، مع أن النهايات في مثل هذه الزيجات لا تبشر بتكافؤ الفرص، وإن أمعن البعض في مداراة هذه الحقيقة في جيبه. إذاً، من يحمي الصغيرات من عبث الأهالي إن كانت أصواتهن لا تصل؟ ولماذا تترك الفتاة نهباً لكل عابر ومعتدٍ وخطر حتى وإن كان عائلها؟ [email protected]