الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

البناء والتفكيك .. من الفيسبوك إلى الكيك

التواصل قد يكون إما عن حاجة ضرورية أو يكون رفاهية وتضييعاً لوقت هو بالأصل ضائع في فراغ مسموم، وقد أتاحت القدرة الشرائية للمجتمعات الخليجية بالأخص من توافر الأجهزة الذكية، وكلٌ استخدمها حسب حاجته أو ميوله، ولكن هستيريا البعض التي تظن لوهلة أنه تم تصويرها من مصحات عقلية تدعو للتساؤل والتمعن، فهناك خط رفيع يفصل الأنس - أو الوناسة - عن الجنون، وما نراه في بعض المقاطع شبيه بفرحة جنونية لسجناء هاربين من واقع كبت أفكارهم ومشاعرهم مذ نفثتهم الأرحام، ليجدوا متنفساً أفقدهم وعيهم لفترة. وأثبتت لنا هذه البرامج أن الحشمة لا تعني بالضرورة العباءة والنقاب والبرقع، بل إن هذه المظاهر كانت ستاراً لأفعال تعرت من الحياء، وتخفّت خلف العباءة، فهذه ثمار ما جنى المطبلون على أن «عفة» المرأة مقرون بمساحة من القماش من دون غرس المبادئ في ذات النفس وإعطاء مساحة من الحرية الشخصية لأن مع الحرية يأتي الحس بالمسؤولية. وعلى الصف الآخر، دخل مَن يسمون أنفسهم بالمصلحين وبالأصح هم «المنكدون»، مخاطبين العامة بـ «العصاة» و«الفاسقين» وهذه النظرة الدونية والخطاب المتعالي لا يتقنهما إلا بعض أصحاب التشدد ومن تبع دربهم، ومنهم من قام بالتصوير من القبور باسم الدعوة إلى الله، وهو الحي القيوم الذي دب فينا الحياة لا لنعيش في هوس الرعب من القبور، بل لنعمر هذه الأرض ونحيا بها ونحييها. لم ينجح إذاً المتشددون المتسلقون على أكتاف الدين في التحكم بالمجتمع وفرض وصايتهم عليه، ولم ينجح في المقابل المنسلخون من كل عادة وعرف في الارتقاء بالفكر، ونرى أمة الوسط تتخبط بين هذين القطبين في هذا «الوسط المهزوز». جيل جديد يقول كلمته اليوم وإن كانت في عين الكثيرين «تافهة» إلا أنها هي المسموعة و«الأكثر مشاهدة»، فقد ضاقت الصدور من بعض الخطب الطويلة البالية التي لا تمت للواقع بأي صلة، ومن الإعلام الذي فقد ثقة الجمهور فصار الإعلام بنفسه يلجأ إلى هذه البرامج، لتتفوق 36 ثانية وتنتشر في بقاع العالم في أقل من ثانية.