الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

موعد على العشاء

لم تكن سعاد حسني شريرة في فيلم «موعد على العشاء»، بل كانت امرأة في منتهى الرقة والرومانسية والجمال، هكذا عرفنا شخصيتها في بداية الفيلم، وترسخ هذا الانطباع مع تتابع المشاهد الأخرى، لكنها في النهاية تحولت إلى مجرمة تخطط لجريمتها وتهيئ لها الأجواء المناسبة وتترصد لطليقها الذي تمادي في قهرها حتى توقعه في شباكها لتجهز عليه لاحقاً! وأنا أقرأ عن أخبار الجرائم التي ترتكب بدافع الانتقام وتحت وطأة القهر الاجتماعي، كثيراً ما يتبادر إلى ذهني هذا العمل السينمائي المهم، للمخرج محمد خان، والذي عرضته السينما المصرية مع بداية الثمانينات، وقام ببطولته حسين فهمي وأحمد زكي بالإضافة إلى السندريلا سعاد حسني، فالمخرج نجح في تصوير حالة التحول من الخير إلى الشر، وتجاوز ذلك إلى إقناع المشاهد بأن الضحية في بعض الجرائم الانتقامية يكون هو المحفز الأول للجريمة! فأحمد زكي كان ضحية لحسين فهمي ونال تعاطف الجمهور لأنه كان ضحية بريئة لمجرم كامل، في حين لم ينل حسين فهمي أي تعاطف برغم أنه هو الآخر وقع ضحية لسعاد حسني، لأنه كان ضحية غير بريئة لمجرمة غير كاملة. مخطئ من يعتقد بأن محمد خان قدم صورة مبالغ فيها لحالات الانتقام الناتجة عن القهر الاجتماعي، والتي يتكرر حدوثها في الكثير من المجتمعات، بل على العكس من ذلك، فهو قدم صورة مخففة عما يحدث على أرض الواقع، فالأخبار التي نقرأها في الصحف من فترة لأخرى تنقل لنا حقائق أكثر ترويعاً ودموية، فهناك من قتلت زوجها بالساطور وهناك من أحرقته بالكيروسين وهناك من طبخته وأكلت لحمه، وهناك من ذبحت مخدومتها وهناك من طعنتها بالسكين وهناك من أردتها قتيلة بعدد من الرصاصات. وفي حالات أكثر تطرفاً امتدت يد الانتقام لتطال الأطفال الذين لا ذنب لهم إلا أنهم يرتبطون بصلة قرابة وثيقة بالشخص المستهدف بالانتقام. في طفولتي كنت ألعب بالكرة في فناء المنزل، فركلتها بقوة فاصطدمت بظهر «مُدبرة منزلنا» فأسقطتها على الأرض مع سلة الثياب التي كانت تحملها، فما كان من والدتي إلا أن وبختني أمامها وأجبرتني على الاعتذار لها وبإلحاح شديد، شعرت بالإهانة حينها وسألتها عن سبب هذا التوبيخ العلني، فعلمتني أن الاحترام فضيلة وأن الخطأ يُوجب الاعتذار، وأقنعتني بأنها فعلت ذلك لمصلحتي أولاً، فمشاعر القهر تتراكم في نفس الإنسان حتى تصل لمرحلة حرجة من الاحتقان تنفجر بعدها في صورة سلوكيات انتقامية بشعة. الجرائم لا يمكن تبريرها، فهي مرفوضة ومدانة بكل أشكالها، والانتقام سلوك لا أخلاقي يبالغ كثيراً في رد الإساءة، ويعبر غالباً عن نفس غير سوية، لكن المعاملة الحسنة والاعتذار عن الخطأ فوراً، والمسارعة إلى تطييب خاطر الإنسان المتضرر، جميعها إجراءات قد تنجح في تفريغ قلبه من المشاعر السلبية المحتقنة داخله، وقد تجنب المجتمع الكثير من المآسي والويلات. [email protected]