الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

لنتعلم اللغات .. من غير أن نطمس لغتنا

«الموجُ الأزرقُ في عينيك .. يُناديني نحوَ الأعمق وأنا ما عندي تجربةٌ في الحب .. ولا عندي زورق .. إن كنت أعز عليك .. فخذ بيديّ فأنا عاشقةٌ من رأسي .. حتى قدميّ إني أتنفَّسُ تحتَ الماء .. إنّي أغرق .. أغرق .. أغرق ..» خيال ومشاعر نزار قباني تأخذنا بعيداً فوق سماء الحب من خلال قصيدته المشهورة والمعروفة بـ «رسالة من تحت الماء». لقد كانت رسالة عاشق يستغيث وهو يغرق في موج الأشواق، فكيف بمن يستغيث من الغرق في بحر النسيان أو الإهمال، وقد يصل به الحال أن يُستهان بكنوزه التي يمتلكها دون غيره والتي لا تقدّر بثمن. لغتي العربية .. لغة التواصل بيني وبينك .. لغة العلم والتحاور الفكري .. لغة الحب المليء بأسمى صوره، إنها تستغيث ومنذ زمن مضى. هي لا ترغب في التصفيق أو الإطراء مني أو منك فيكفيها ما قال عنها رب الجلال والإكرام {لِسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)، وفي موضع آخر (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً}. أين قناعتنا نحن بما أكرمنا الله به؟ .. سؤال ضع تحته مئات بل آلاف الخطوط الحمراء، قف لحظة لتعلم حقيقة الأمر والمآل الذي أمسينا وأصبحنا بين يديه. إن البعض منا قد باع لغته بثمن بخس، بحروف أعجمية محدودة لا تسمن ولا تغني من جوع، والآخر تطاول على لغته بهجره لها فلم يرَ الجمال إلا في غيرها، لكنه جمال زائف {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا}. إن قلت لكم: قد بيعت .. فنعم أقولها وأنا من الشاهدين، كيف لا ؟! ونحن نرى ونقرأ الكثير من عناوين المحال التجارية في تجوالنا وقد كُتبت بأحرف عربية، لكنها تلفظ باللغة الأجنبية وتحديداً باللغة الإنجليزية. كيف لا؟! والشباب العربي ينفض جناحي الزهو عندما يكلم الآخرين بغير لغة الضاد، غارقاً في حلمه الزائف، في ظنه أن التقدم والرقي لا يكون إلا بالتحدث باللغة الإنجليزية أو غيرها. أخي الإماراتي .. أخي العربي .. هل نظرت إلى شعوب الأمم الأخرى الذين لا يخاطبون الغير إلا بلغتهم الأم افتخاراً واعتزازاً بها؟ هل سافرت على سبيل المثال إلى فرنسا أو ألمانيا؟ هل شعوب هاتين الدولتين يتحدثون إليك بغير لغتهم؟ قف هنا، واطرح على نفسك هذا السؤال: لماذا أتكلم لغة الغير وأنا في وطني؟ لست ممن يحارب تعلم لغة الآخرين، بل أشجع تعلم اللغات، لكن ينبغي علينا ألا نطمس لغتنا التي هي هويتنا وكرامة ثقافتنا. في يوم من الأيام وتحديداً في مقر عملي قمت بالرد على إحدى الرسائل البريدية من خلال عملي اليومي، مستأذناً مرسلها أن يخاطبني باللغة العربية علماً أنه من أبناء وطني، مذكراً إياه بالقرارات المحلية التي تأمر باعتماد اللغة العربية لغة رئيسة في المراسلات، وأن دستور دولة الإمارات العربية من ركائزه التي يرتكز عليها هي اللغة العربية، فكان الجواب منه بالترحاب مخالفاً بعض من شاهدوا التماسي إليه. لا أحب أن أردد ما قاله الشاعر حافظ إبراهيم بلسان لغتي: أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُم إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِل بِرُواةِ سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى لُعَابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ.