الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الحرب الباردة .. والحرب الأبرد

عندما شهد العالم في عهد غوربارتشوف أواخر ثمانينات القرن الماضي انتهاء عصر ما سمي الحرب الباردة، وهي تلك الحقبة من التناحر بصمت بين قطبي العالم آنذاك، استبشر العالم خيراً بأن الدب الروسي عاد إلى جادة الصواب، وانتهت حقبة التهديد بالحرب النووية التي كانت ستدمر كوكب الأرض إذا اندلعت بين القطبين، وكان العالم الثالث سيكتفي بالموت حرقاً أو عبر السحاب النووي الذي سيغطي العالم قروناً لا يعلمها إلا الله. بصعود بوتين الطموح وسيطرته على الدولة الغنية بكل شيء من موارد الطاقة الصناعية أو الفكرية والقوة العسكرية، فإن تغير العوامل الجيوسياسية تؤهل الدولة الشيوعية السابقة لتولي زمام الأمور بدل الولايات المتحدة التي بدأت بالتراجع في أماكن كثيرة من العالم. تغلبت روسيا على مشاكل انفراط عقد الوحدة الإجبارية، والانهيار الاقتصادي الكبير الذي عانت منه الدولة، وكذلك الثقة العالمية بأنها ستتمكن من مجاراة ركب العالم الرأسمالي والنهوض من جديد، خصوصاً مع هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، والعجز الكبير الذي أصاب البلاد، وتمكنت بفعل سياسات قاسية أحياناً من النهوض وضمان المضي إلى المكانة العالمية التي يطمح لها رجلها القوي، فمن حرب الشيشان إلى أوكرانيا التي أصبحت تحت قبضتها إلى تحرير الاقتصاد، وأخيراً إلى تشكيل التكتلات السياسية التي تنافس القوة المتفردة في العالم، الولايات المتحدة الأمريكية. إن تحرير عمليات شراء مصادر الطاقة والبضائع الاستراتيجية كالذهب وغيرها من ارتباطها مع الدولار من شأنه أن يشل القدرة الأمريكية على التفرد العالمي، وروسيا تعلن ذلك وتتحالف دولياً لتحقيقه، وهو ما يدعو الإدارة الأمريكية إلى التهدئة معها وعدم التصادم، ذلك ما فسر الصمت الأمريكي على المجازر الفظيعة التي ترتكبها روسيا في سوريا وإقامة القواعد الدائمة فيها بالقرب من منابع النفط، وعلى مقربة من حدود الكيان الصهيوني ربيبة أمريكا، والتي يمكن أن تتحول في ولاءاتها إلى القوة الجديدة بكل سهولة. إن ما يحدث في حلب واحتلال الدولة السورية من قبل حلفاء ما يسمى بالأسد والهجمة البربرية على المدنيين العزل من قبل الآلة الروسية ما هو إلا صورة جديدة من جس النبض للحقبة الجديدة من الحرب الأبرد بين القطبين، وسيكون العالم على موعد مع اختبارات أكثر صعوبة ستكون فيها الساحة أكثر تأزماً، خصوصاً إذا ما أعلن «الجهاد» ضد الوجود الروسي على أراضي المسلمين كما حدث في أفغانستان بدعم عسكري مباشر وغير مباشر من الإدارة الأمريكية، ولن يكون «داعش» إلا صورة أحد البدائل التي ستطرح على الساحة في الشرق الأوسط الجديد. [email protected]