الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

صدف اللقاء

أعرف هذا الوجه، إنه مألوف، إنه ليس غريباً ولكن أين قابلته تحديداً؟ أسئلة كثيرة جالت بخاطري حينما رأيته خلال ممارستي لرياضتي المفضلة «المشي» في إحدى حدائق الشارقة. في اللفة الثانية تنبّه إلى أني ألاحظه بتمعن، فابتسم من دون أن يبدي اعتراضاً وكأنه أدرك أني أحاول تمييز هويته، أخذت حمّاماً بارداً لأتخلص من العرق والرطوبة ثم تناولت إحدى الصحف القريبة، وما إن قلبت صفحاتها بعفوية حتى تراءى من جديد، الآن عرفتك، وأدركت أني لم أكن مخطئاً حين تساءلت أين رأيت هذا الوجه من قبل. «زينب» و«ميسان» تشغلان حيزاً كبيراً من كتاباته وإبداعاته، وعلى محيط حديقة زينب كما يحب هو تسميتها تعارفنا قبل سنوات، ضئيل الجسم ولكن يحمل فكراً متقداً وفراسة أدبية يغبط عليها مع تواضع جميل. يقول عن نفسه: ولدت ونشأت في جنوب العراق، حيث الانقسام الاجتماعي الحاد والظلم والفقر، والحزن غير القابل للانتهاء في البيوت وبساتين النخيل والمساجد والأسواق، ومظاهرات الطلاب والعنف المضاد، والمطاريد والفتوات، ومشاجرات الصيادين ومعارك العشائر. صديقي الذي أحب أن أُطلق عليه لقب القديس حدثني عن صباه قائلاً: دخلت منازل المسيحيين، وأكلت الطعام مع العوائل اليهودية في عمارة ميسان، عشت تقاليد الصابئة وطقوسهم، كنت أحزن من أجل أولئك الزنوج ببشرتهم السوداء وهم يتعرضون للعزل والاحتقار، نزلت إلى سوق العمل حمّالاً صغيراً، ولبّاخ طين مع عمال البناء أثناء العطلات المدرسية من أجل تأمين ثمن ملابسي وكراريسي غير الدراسية. دقائق اللقاء التي كانت تجمعنا على محيط حديقة زينب، على قلتها، كنت أعتبرها كنزاً ثميناً، فأستغلها في سؤاله عن أي شيء وكل شيء. انتقلت للسكن في دبي، فانتهت اجتماعاتنا اليومية القصيرة، وحل مكانها تبادل السلام وكلمات مقتضبة على المارد الأزرق «الفيسبوك». صديقي نال جائزة السلطان قابوس للإبداع الثقافي في القصة القصيرة العام ألفين وستة، ونال جائزة العنقاء الذهبية الدولية العام ألفين وسبعة .. صديقي اسمه «جمعة اللامي».