الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

مصر وغياب صوت العقل

في ظل ماتشهده مصر حالياً من إضرابات ومظاهرات تعم محافظاتها وصعوبات يواجها اقتصادها وتجاذبات بين سياسييها، يظل السؤال الأهم متردداً .. هل من أمل أو ضوء في نهاية النفق؟ وهل يمكن أن يكون الغد أفضل حالاً من اليوم؟ بالتأكيد الصورة قاتمة على الأرض من خلال ما تشهده مختلف المدن المصرية من مظاهرات وعصيان مدني وفوضى وإضرابات طالت كثيراً من فئات المجتمع المصري حتى الشرطة المنوط بها حفظ الأمن. وتأتي تلك المظاهرات والإضرابات متزامنة مع أوضاع اقتصادية متردية يشعر بها بصورة خاصة المواطن البسيط ومتوسط الحال، حيث التضخم سجل أعلى مستوياته منذ ثورة الخامس والعشرين من يناير فيكتوون بنار الأسعار العالية بعد أن خسر الجنيه المصري الكثير من قيمته أمام الدولار. ولعل الأهم من كل ذلك أن تسير الأوضاع إلى الأسوأ في ظل انسداد سياسي حيث لا حوار جدياً بين الرئاسة والمعارضة ولا يوجد في الأفق ما يوحي بقرب انتهاء الأزمة بين حزب الحرية والعدالة والقوى السياسية الأخرى، حيث يتمترس كل منهم في خندقه ويتمسك بوجهة نظره وكأنه الوحيد الذي يملك الحقيقة كاملة ولا يريد أن ينحي مصالحه الحزبية الضيقة جانباً من أجل إعلاء مصلحة الوطن .. فالكل هنا رئاسة ومعارضة مسؤولون عما يجري على الأرض من أحداث لا يتوقف صداها عند حدود الوطن .. وكم تغيرت صورة مصر الآن على الساحة الدولية بعد أن كانت ثورتها نموذجاً يحتذى. ورغم قتامة الصورة، فإن القضاء المصري يثبت كل يوم أنه صاحب رسالة والحامل النزيه للواء العدالة، الأمر الذي يرسل ضوءاً ولو خافتاً في هذا النفق المظلم، ومثال ذلك الحكم الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري والخاص بوقف تنفيذ قرار الرئيس مرسي بشأن الدعوة لانتخاب مجلس النواب الجديد وإعادة القانون المنظم لهذه الانتخابات إلى المحكمة الدستورية العليا. فلقد وضع هذا الحكم التاريخي مبادئ بالغة الأهمية في مجال تطوير النظام القانوني المصري، وفي مقدمتها ما يتعلق بالقرارات السيادية التي لا يجوز الطعن عليها، الأمر الذي يضعها فوق القانون والدستور ويهدد الحق في التقاضي بشأنها حيث أكدت محكمة القضاء الإداري أنه «لا يجوز التذرع بأعمال السيادة في غير محلها أو تجاوز حدودها باعتبارها استثناء يرد على ولاية القضاء». كما وضعت المحكمة شرطاً منطقياً ينبغي توافره من حيث المبدأ قبل البت فيما إذا كان القرار الجمهوري يعد عملاً من أعمال السيادة، وبالتالي يخرج عن ولاية القضاء، أم أنه قرار إداري ينبغي أن يخضع لهذه الولاية وإلا فقدت العدالة اثنين من أهم أركانها وهما حق الطعن على القرارات الإدارية والحق في مراقبة قرارات رئيس الجمهورية. وبرغم قوة حكم محكمة القضاء الإداري والذي اعتبره البعض «صفعة» للرئاسة، إلا أن الحكم يتيح فرصة ذهبية لتصحيح أخطاء عديدة تسببت في احتقان الحياة السياسية في مصر ودفعها نحو هاوية سحيقة بعد أن رفض الحزب الحاكم نداءات معظم فصائل المعارضة بتأجيل الانتخابات حتى يتم الاتفاق على القانون الخاص بها. وفي انتظار رأي المحكمة الدستورية العليا تظل الساحة في مصر أرضاً خصبة للتجاذبات السياسية مع استمرار كل مظاهر الفوضى وتزايد الضغوط الاقتصادية على البسطاء الذين يترقبون الخطوات المقبلة للحكومة بعد أن رفضت شروط صندوق النقد الدولي لتقديم قرض قيمته 8. 4 مليار دولار إليها، وكيف ستتصرف فيما هو مقبل من الأيام. وحتى تتضح خطوات الحكومة المقبلة، فإن الأمور يبدو أنها سوف تبقى ضبابية، وربما يصعب معها تهدئة الأوضاع والاستماع إلى صوت العقل، فالمؤشرات توحي بأن المظاهرات التي سوف تزيد من الأزمة المستمرة، وكذلك الإضرابات التي تكلف المصريين الكثير، أما من يعلي مصلحة الوطن فوق كل المصالح الحزبية فهو غير موجود في ظل تكالب الحزب الحاكم ومن يقف معه على تحقيق مكاسب ضيقة وإن جاءت على حساب المصلحة العليا لبلدهم .. فليس مهماً لديهم أن تفقد مصر معظم احتياطيها من النقد الأجنبي في البنك المركزي، أو أن يهبط مستوى تصنيفها الائتماني ست مرات أو أن تزداد البطالة ويرتفع التضخم .. كل ذلك بالتأكيد أمر صعب .. وإلى ذلك لا يمكن تجاوزه ما دامت المصالح الحزبية تتصدر المشهد. للتواصل مع الكاتب: [email protected]