الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

مصر وميليشيات الإخوان

في غمرة ما تشهده مصر حالياً، من تطورات وأزمات سياسية واقتصادية، فاجأ النائب العام المصري الجميع بدعوة المواطنين لتنفيذ «الضبطية القضائية» أي ضبط مواطنين لآخرين بتهمة الإخلال بأمن المجتمع أو الإضرار به. ورغم أن النائب العام المصري سارع إلى العدول عن هذه الدعوة ونفيها، إلا أنها كانت بالون اختبار لكيفية تقبّل المجتمع المصري لهذه الفكرة التي تحمل في طياتها الكثير من المخاطر، وتعيد إلى الأذهان ما حدث في لبنان العام 1975 من حرب أهلية استمرت خمسة عشر عاماً، وسقوط آلاف القتلى والجرحى، وما حدث أيضاً في الصومال ويوغسلافيا السابقة والسودان والعراق، وما يحدث حالياً في ليبيا. ومن الغريب أن تسارع الجماعات الإسلامية، وفي مقدمتها الإخوان المسلمون إلى إظهار استعدادها لتبني الفكرة وتجهيز أنصارها للقيام بدور الشرطي المفقود بعد تزايد حالات الانفلات الأمني في ربوع مصر كلها. وفي هذا السياق جاء خروج العشرات من أنصار الإخوان المسلمين في مدن الصعيد، خاصة سوهاج في تظاهرات منظمة تستعرض من خلالها قوتها وقدرتها على القيام بهذا الدور لتزيد من رعب الشارع المصري .. وما زاد هذا الموقف إرباكاً وحرجاً إعلان بعض القوى السياسية الأخرى استعدادها لتشكيل لجان شعبية تقوم بمهمة حراسة المنشآت العامة والخاصة إحياء لمبادرات اللجان الشعبية التي شكّلها المصريون خلال الأيام الأولى من ثورة الخامس والعشرين من يناير بعد انهيار الأمن والشرطة. يرى المراقبون أن من المخيف حقاً أن تنطلق تلك الدعوة في ظل وجود كميات كبيرة من الأسلحة المهربة في السوق المصري قدّرها بعضهم بنحو ثلاثة ملايين قطعة، الأمر الذي يحتم ضرورة التجريم العلني والقانوني الواضح لقيام أي ميليشيات أو تشكيلات خاصة منظمة يمكن أن تجر مصر كلها إلى فوضى الحرب الأهلية، والعمل على نهوض شرطة وطنية محترفة تخضع لسيادة القانون ورقابة المجتمع وتعتمد المعايير المهنية في القيام بواجباتها، وتقف على مسافة متساوية من كل القوى السياسية، وتلتزم بحقوق الإنسان. ومن الغريب أن تأتي الاستجابة السريعة من جانب الأحزاب السياسية خاصة الإسلامية منها، للدعوة لتشكيل ميليشيات، لمساعدة الشرطة على حفظ الأمن في الوقت الذي توجد فيه ملفات أخرى كثيرة تحتاج مثل هذه المساعدة من جانب تلك الأحزاب .. فعلى سبيل المثال لا الحصر، أين هؤلاء جميعاً مما أصاب السياحة في مصر وتراجعها إلى المرتبة الـ 137 من بين 140 دولة حسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول الخريطة السياحية العالمية؟ ولماذا لا يتناول هؤلاء الجفاف السياحي الذي تعانيه أرض الكنانة حالياً حتى أصبحت بعض فنادقها العائمة بين الأقصر وأسوان تقبل السائح بعشرين دولاراً شاملة النوم والإفطار والغداء والعشاء بعد أن زارها العام 2010 نحو 15 مليون سائح أنفقوا 12.5 مليار دولار في مجال يعمل فيه أربعة ملايين مصري؟ أليست تلك مصر التي نصح أوباما يوماً الشباب الأمريكيين أن يتعلموا من شباب ثورتها، وأصبح ميدان التحرير يوماً قبلة للرؤساء والمسؤولين والآلاف الذين قدموا من مختلف دول العالم؟ الجمود الحالي بين الحكم وجبهة الإنقاذ المعارضة يؤكد للأسف اعتقاد كل منهما بأن خصمه على وشك إعلان إفلاسه، وأنه يمكن أن يكسب المعركة بالضربة القاضية، وأن أفضل الحلول هو الوقوف على حافة النهر انتظاراً لجثة غريمه يحملها التيار القادم. فجماعة الإخوان تعتقد أن جبهة الإنقاذ ستتفكك إن آجلاً أم عاجلاً بعد إخفاقها في تحقيق أي إنجاز ملموس، في حين ترى الجبهة أن الفشل المتكرر للحكم والجماعة سوف يؤدي إلى مزيد من الفوضى والاضطرابات التي تتصاعد لتصل في النهاية إلى عصيان مدني يؤدي بالتالي إلى نزول الجيش إلى الشارع لإنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين. خلاصة القول إن النتيجة المؤكدة لهذين الموقفين هي تدني مصداقية كل منهما في حسابات الرأي العام الذي أصابه الضجر والضيق والإحباط، وبالتالي فإن الطريق يبدو مسدوداً ما دامت العقول مصرة على مواقفها، وحين تتغير تلك المواقف فلكل حادث حديث. للتواصل مع الكاتب: [email protected]