الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

مقياس نجاح الممثل

لقد تعلمت ألا أحنق وأثور على المشاهد الفيلمية التي يظهر فيها البطل مبهدلاً ركيكاً لا قيمة له ولا روح فيه ولا إحساس يؤديه، إنما استعراض مهازل وخيبات ليس إلا، وأحاول أن أقنع نفسي في هذه الحالة أن اللوم قد سقط من ساعة ما كان اسمه فيلم أو تمثيلية أو مسرحية، إذ لابد أن كل ما فيها كذب في كذب، والكذب لازم يبان فلماذا أغضب من الأساس؟ وهكذا أجد لنفسي مخرجاً سريعاً يريح دماغي لأواصل المتابعة. لدي اعتقاد بأن العمل السينمائي يبلغ ذروة النجاح إذا أوصل للمتابع إيحاء بأن ما يحدث أمامه حقيقي ليس فيه أي مجال للخداع والتمثيل، وعندما يكون الممثل في أصدق حالاته كأنه يعيش حياته الطبيعية فعلاً ولا يتصنع، إذا دخل المشاهد جو الحكاية وآلمه أن يخرج من هذا الجو لحظة النهاية أعتبر أن هذا نجاح، وأعرف أن هذا المعيار المتواضع يخصني وحدي ولن يهتم به أي ناقد سينمائي، لكنه لم يترسخ بداخلي اعتباطاً. فالممثلة الفرنسية ماريون كوتيار التي حصلت على أوسكار أفضل ممثلة لأدائها دور المطربة أديث بياف في فيلم «الحياة الوردية» على أكمل وجه عندما سألوها عن أسلوبها في التقمص قالت إنها ظلت أشهراً عدة وهي تعيش مثل بياف، ولم تستطع أن تدخل في أحاسيس أي شخصية أخرى حتى ماريون لم تعد ماريون. وهكذا أحمد زكي كما يحكي عنه طارق الشناوي، كان في العديد من أفلامه يعيش مثل هذه المواقف، فقد أصيب بآلام حادة في القولون وشخص الطبيب تلك الآلام بأنها مشاكل صحية لم يعان منها أحمد زكي، ولكنها آلام هشام ضابط أمن الدولة الذي أدى زكي دوره في فيلم «زوجة رجل مهم»، وبالمثل فإن المبدع روبرت دي نيرو كان يحضر تصوير لقطات الفيلم كلها حتى تلك التي لا تخصه ولا يمثل فيها ليعيش الأحداث. هؤلاء الممثلون البارعون كانت قبضتهم تمسك بمفاصل المشهد كاملاً، يتجاوزون الواقع إلى معنى الحقيقة، ومعهم تنسى الحاجز الدرامي ويختفي من أمامك تماماً لترى بديلاً منه قطعة صادقة من الحياة، التلقائية في الأداء عامل مهم يدفعك إلى الخروج عن الإحساس الدرامي حتى تشعر أن ما يحصل أمامك أحداث واقعية، عمق انفعال ينضح من الأعين ومن حركات الأيدي، تتركز الشخصيات التي يؤدونها في مشاعرهم فتختلط بهم حتى لم تعد تميز ما إذا كانوا هكذا في الواقع أم أن الأمر مجرد تقمص سيزول بانتهاء التصوير. ويتوحدون مع الحالة حتى تلتصق بهم وتذوب فيهم تماماً. نحن لم نعد نتخيلهم إلا هكذا، ولذا نعتبرهم ناجحين في نظرنا وإن لم يلتفت لهذا الرأي أي ناقد سينمائي. للتواصل مع الكاتبة: [email protected]