الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الوقت من جلجامش إلى العامري

تروي نصوص ملحمة «جلجامش» البابلية، أن جلجامش بطل مدينة «أوروك» وملكها قضى حياته في الصيد واللهو والبطش بالناس منتشياً بقوته الخرافية وطاقته المتفجرة، ولكن بعد أن يتعرف على «أنكيدو» تُغيّر الصداقة العميقة التي ربطت بينهما مجرى حياته، فيقرر تحويل قواه وطاقاته للعمل المجدي الذي ينفع الناس، فيقوم الصديقان بمغامرات عدة ذات أهداف سامية، إلا أن «أنكيدو» يموت نتيجة إحدى هذه المغامرات، وهنا يصحو جلجامش على مأساة الزمن المتاح له وهو (العمر)، فيهيم على وجهه في البراري والصحارى تاركاً عرشه، باحثاً عن سر الخلود وإكسير الحياة الدائمة، وجلجامش في صراعه الملحمي ضد الشيخوخة أو الموت لم يهدف لمنفعة ذاتية، بل هو يغالب الزمن حتى يتمكن من خدمة أبناء مدينته «أوروك». وفي قصة (حول العالم في ثمانين يوماً) تأليف جول فيرن تدور الأحداث حول محاولة (فيلياس فوج) الإنجليزي الثري وخادمه (باسبارتو) القيام بالسفر حول العالم في 80 يوماً وذلك لكسب رهان بين (فوج) وخمسة من أصدقائه، فتقابله صعوبات ومعوقات أثناء الرحلة حتى عودته مرة أخرى إلى لندن، وفي نهاية الرواية ينجو (فوج) من خطر فقدان كل ثروته في الرهان، بسبب ذهابه حول الأرض من الشرق إلى الغرب وليس العكس فوصل في الموعد المحدد وليس في اليوم الواحد والثمانين كما ظن، لأن فرق التوقيت بين خطوط الطول ألغى 24 ساعة من حساباته فكسب الرهان. عديدة هي القصص التي تدور حول الزمن وأهمية الوقت لأنه أغلى وأندر مورد إنساني، لذلك فقد شغل حيزاً كبيراً من تفكير الفلاسفة، فهو عند أفلاطون كلٌّ متصل لا وجود له دون حركة، وعليه فإن معنى الزمن يتصف بالمتحركات، ومن طرفه نظر أرسطو إلى الزمن باهتمام بالغ، وهو عنده عدد الحركة أي (مقياسها)، ومن ثم فليس الزمن إذاً حركة، بل هو عدد لها، بمعنى الشيء المعدود منها، وفي ذروة الخلاف الفلسفي حول الزمن، كان العلماء التجريبيون يبذلون جهوداً جبارة للكشف عن أسراره، فجاء إسحق نيوتن ووضع قوانينه وقسَمَ الزمان إلى زمانين: مطلق ونسبي، لكن البصمة الأهم كانت لعالم الفيزياء الشهير «آينشتاين» الذي وضع نظريته المعروفة (النسبية)، والتي جعلت الزمان بُعداً رابعاً للأبعاد الثلاثة (الطول، العرض، الارتفاع). من هنا اهتمت الإدارة منذ نشأتها بالوقت، ووضعت قاعدة أن الاستخدام الفعال والملائم للوقت يفسر الفرق بين الإنجاز والفشل، ومن بين الإداريين جاء راشد العامري برؤيته التي أدهشتني حين قال «لسنا في عجلة من أمرنا»، وذلك أثناء لقائه بكتاب صحيفة الرؤية بصفته رئيس مجلس إدارتها، فأضاف إلى ما سبق مفهوماً جديداً لاستثمار الوقت، يضمن به نتائج أكثر قوة وثباتاً، وبالتالي يضمن الاستمرار بثقة، وهو ما شدني أكثر للكتابة في الرؤية، خاصة وأنني أحب الطبخ (المسبك) على نار هادئة. للتواصل مع الكاتبة: [email protected]