الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

السخرية أبلغ من الشتائم

اعتاد المخرج ميل بروكس أن يخرج أفلاماً تسخر من الأفلام العالمية الناجحة ومن الممثلين والمخرجين بطريقة مضحكة لا تزعج أحداً منهم، ولم يحدث أن سخريته هذه ولو لمرة واحدة قد هبطت بمستوى فيلم أو بقدر أي ممثل مستهدف منها. السخرية هنا ليس لها إلا معنى واحد هو أن هذه الأعمال قد وصلت حداً من النبوغ ومن معرفة الناس لها فصارت عرضة لتناولها بالسخرية الإيجابية التي تعني أن ما تم تقديمه مهم، ولو لم يكن مهماً ما فكر أحد في التعرض له ولا السخرية منه أصلاً. كل ما هو ساخر وهزلي يجتذبنا إليه بقوة سحرية، الكاتب أو المخرج أو الإعلامي الساخر يلفت انتباهنا إلى نقاط ضعفنا ومرضنا لعلنا ننتبه إليها ونداريها ونحن نضحك من أنفسنا دون أن نرى أسلوب الوعظ أو التخويف أو التهديد، سياسته هذه تنفعنا ولا تضرنا بحال، و«مادام ما مدش إيده خلاص». باسم يوسف يتجه هذا الاتجاه بالضبط، وبخلاف بعض الإيحاءات الممنوعة لدى باسم، يبقى الرجل ظاهرة إعلامية تختلف عمن يملؤون المشهد، وهو أمر يجب أن نقره وألا نتجاهله أو ننفيه لو أردنا أن ننتقده بموضوعية فعلاً. غير أن شخصيات ممن نصبت نفسها في وسط العمل العام عرضته إلى هجمة متقدة واستجواب وأدخلته «المرمطة» تحت غطاء ديني حيث كان رد فعلها صادماً وأضخم بكثير من حجم الفعل، ثم أعطته تهماً غريبة تسكت المدافعين عنه وتضع أمام أفواههم حاجزاً إسمنتياً، بإمكانك أن تبحث عن التشنيعات الموجهة إليه لو أردت. تصور مسألة استدعاء الإعلامي الساخر باسم يوسف صراع حرية الكلمة مع سلطة سجينة فرديتها ورهينة ذاتيتها، لكن مهما اشتدت قتامة المشهد يبقى هناك انفراجة قادمة. السخرية فن المدينة كما يحكي وائل عبدالفتاح، مادمت إنساناً تخطئ وتصيب فأنت عرضة لها. يحكى أن عبدالناصر طلب من أنيس منصور ومن الشاعر مأمون الشناوي أن يتوقفا قليلاً فقط عن كتابة النكت بعد النكسة لئلا يصيبا الجيش بالإحباط، وقد تفهما هذا الموقف. السخرية حالة قد تحبها أو ترفضها، قد تطلب تخفيف حدتها لكن ليس من حقك إلغاؤها وخنق مصدر ترويح الناس إلى الأبد. للتواصل مع الكاتبة: [email protected]