الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

انفخ التراب في عينيه

في واحدة من تجلياته الأدبية قدم الأب لابنه هذه الوصية البليغة «اللي يبرق لك انفخ التراب في عينيه»، ولأن الابن يسير على خطى والده كأنه دستور حياته فقد قضى الوقت في تعلم هوايات جديدة تضمن له تطبيق هذه التعليمة خاماً كما هي: كيف يمسك بخناق الخصم بكل قسوة، كيف يطلق سيلاً من سباب المعارك البذيئة، كيف يلكز خاصرة الغرباء ليبدأ معهم الاشتباك، كيف يذر الملح بحركة غريزية في عيون من لا يتفق معهم، كيف وكيف إلى آخر القائمة التي يعرفها عشاق افتعال المشاكل وتهتك رباط الأخلاق. يبدأ في الإعداد لهذه التفصيلة ليؤدي أداء لا ينسى، فقط لأنه فهم أن نفخ التراب ضروري للحفاظ على الحياة والكرامة، لكنه فهم هذا بطريقته الخاصة جداً ومن دون أدنى محاولة للتصحيح من قبل الكبار، سكوت الكبار عنهم ليس عفو الخاطر إنما هم من شرع لأبنائهم هذا المنزلق الخطير مع أن هناك وقتاً إضافياً لتعديل المفهوم لو أرادوا فعلاً .. أن تبادر أنت يا بني بالتحرش لئلا يأتي من يبادرك به، إن لم تفعل فستقع ضحية للبادئ لا محالة. هنا خلط الدفاع عن النفس بالهجوم على غيرها من الأنفس وبلا مناسبة، واعتبار أن في هذا بطولة، مع أنه ليس فيه بطولة «ولا يحزنون»، الواقع أن فيه «يحزنون» فقط. هناك أسلوب تربوي تولى تربية جيل لا يستهان بعدده على هذا النمط (قدم لنفسك معروفاً وبادر بالصراع أولاً)، شاهدنا هذا النموذج في حياتنا العامة وهو موجودة بثقله وانعدام تحضره على اليوتيوب وغيره، ويبدو أن الآباء الذين يلهمون أبناءهم بمثل هذه الوصفات كانوا ممن يتلقون علقات لها العجب في صغرهم، لذا تجدهم يمارسون هذا التلقين المشحون بالانتقام على مسامع أبنائهم على سبيل التعويض. ولهذا السبب تقابل كثيراً هذا المنظر، صبي مزعج لا يكف عن الركل والبصق على جموع الناس هكذا بلا قضية واضحة، يفعل هذا مع الغريب والقريب والحي والجماد حتى تجد أن هذه الدورة الشيطانية شملت الجميع بمن فيهم أبويه أحياناً، بينما يلهو بلعبته المفضلة (الكلام البذيء) الذي صار ينساب من فمه في سلاسة اللعاب، يمكنك لدى سماعه أن تجن بلا مبالغة. أنت مجبر على رؤية كل ما يرتكبه من شناعات أمام ناظريك مع تجلط دورك، إذ ليس من صالحك التدخل، وكل هذا يحدث عملياً وسط نظرات إعجاب واطمئنان ذويه لأن ابنهم تعلم نفخ التراب في الأعين وصار (ما ينخاف عليه). للتواصل مع الكاتبة: [email protected]