زملاء مبدعون

كعادتها الحياة دائماً، تجمعنا بأشخاص قد لا نعرفهم من الوهلة الأولى .. وربما لن نعرفهم أبداً. طبيعة العمل تفرض علينا أن نتعامل مع بعضنا بعضاً حسب مسمياتنا المهنية، وما هي إلا مواقف وأسئلة واحتكاك بسيط حتى نكتشف الوجه الآخر للزملاء .. وهذا ما حدث معي ومع زميل آخر، مهنته مدقق لغوي، يعمل بجهد لا يكل ولا يمل، وما جذبني إلى هذا الزميل هو صمته الذي يسود على القاعة المكتظة بالزملاء، ومثابرته على أداء العمل بأكمل وجه .. وساقتنا الصدفة لاكتشاف وجهه الآخر، وهو فن التصميم الفوتوغرافي! طلب مني بيتي شعر لم يكن لهما دور في حياتي إلا أنهما حبيسا الأدراج، وما أن رأيت ذلك العمل الرائع منه حيث صمم بطاقة فلاشية متحركة بخلفية رائعة توحي للمشاهد بارتباط الصورة بالأبيات وناهيك عن المؤثرات الصوتية التي أضفت على البيتين والعمل الرائع جمالاً مبالغاً فيه، استوقفته للحظة وكان السؤال لماذا لا تعمل في قسم التصاميم والتنفيذ والإعلان؟ تبسم، وقال إن اللغة العربية هي مصدر رزقي، وهي هويتي الأم، فكيف أتبرأ من أمي التي لا أُعرف إلا بها .. وعرّج على فن التصميم والإبداع، مؤكداً أن هذه المهنة التقنية دراسة وتحتاج إلى ممارسة مستمره، وتحتاج منه إلى مواكبة العصر التقني المتطور، ولم يفكر يوماً في أن يكون مصمماً أو منفذاً، حيث إن له أعمالاً متميزة في هذا المجال، ومن أعماله أنه صمم صحيفة إلكترونية بجميع صفحاتها، وجعلها سهلة التصفح بتقنية عالية ورائعة بأبعاد ثلاثية تجذب القارئ للقراءة والمشاهد للمشاهدة في الوقت نفسه! وغير ذلك من أعمال جميلة، منها شعارات لمؤسسات وشركات كبرى. وابتكر أيضاً برنامجاً يساعد على دورة العمل بطريقة رهيبة دون أن يطلب منه، ولكونه مدققاً لغوياً تجده غني الكلمة غزير المعنى وكثير الحكمة حليم النظر بشوش الوجه سريع الابتسام كثير التواضع سخي اليد وكريم المد. وجب عليّ إظهار تميزه وتفوقه في مجال عمله وغيره من الأعمال .. ليس لشيء في نفسه، ولكن للاقتداء بمثل هؤلاء الزملاء المبدعين الذين يشوقونا لبناء طموح شامخ وإصرار على الإبداع ولو بشيء بسيط جداً. ولا أنسى في الأخير التذكير أن هنالك الكثير من الأشخاص الذين شاهدنا إبداعتهم على أرض الواقع بعكس مهنهم العملية .. وعلينا الاجتهاد والمثابرة والتميز في جميع المجالات.