السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

لم أشبع منه

في تاريخ 1 - 6، كنت بجواره أهمس في أذنه كل كلمات الرجاء .. قلت في أذنه كيف ينهض، كان في داخلي طمع كبير بأن أرى عينيه تفتحان لكي يراني بجواره كما كنت معه دائماً، حاولت .. وأمسكت يده وأنا أرى أطراف أصابعه تذبل .. وكلما اقترب الموعد ازداد بياضاً، أرى من في الغرفة ينظرون إليه .. وفي داخلي طفل يصرخ يبكي أباه الذي يصعد سلم الرحيل ويتجه إلى خالقه. تاريخ 1 - 6 هو ميلاد والدي .. وكانت نهاية رحلته الدنيوية في اليوم نفسه، ابتسمت لأنه في آخر لحظة من حياته أضحكني كما عهدته دائماً، فخفة الدم التي بي هي منه، وحبي للكتابة وعشقي للقراءة هما من أمي .. فكنت مزيجاً منهما. تمر الأيام ويتوقف كل شيء في عقلي .. تلك الشهور الستة كانت كالعذاب بحيث كنت أهرب من ألم والدي وأنينه الدائم .. غباء بعض الأطباء وتحليلاتهم الفارغة جعلته يتألم أكثر فأكثر حتى استقر في مدينة العين بعيداً عن بيته الذي أحبه فظل يردد «أبغي أروح البيت، ودوني الشارجة» .. كذبت عليه لكي ينهض في ذلك اليوم، فقلت له بصوتي المليء بالبكاء «بابا قوم نحن في الشارجة الله يخليك افتح عينك»، توقف عن التنفس بكل هدوء .. ومع أذان العصر تم إعلان وفاة محمود أكرم عبدالكريم .. وأنا لم أشبع منه .. ولن أشبع منه إلى الأبد. ذلك البسيط المتواضع الذي لم يعلمني سوى الحب والرحمة والضحك، كان رحيماً جداً بكل الكائنات التي توجد حوله، حتى الحديد والخشب والأثاث القديم والعملات، كان يتعلق بكل شيء ولا يود أن يترك أي شيء، حتى تركنا ورحل إلى من هو أفضل منا كلنا. أحمل الكثير في داخلي، لقد ترك لي والدي الكثير من الذكريات .. وهو من زرع في عقلي الخيال حتى أصبحت ما أنا فيه اليوم. لم أشبع منك يا أبي .. ولكنني على يقين بأن اللقاء سوف يكون بإذن الله تعالى في الجنة. إلى الملتقى يا والدي. [email protected]