الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

التمرد الإيجابي

للعمر حكمته التي لا تتوقف في تتابع الزمن في حياة الإنسان، تلك الحكمة التي تبدأ بنا في مختلف تطورنا العمري منذ نعومة أظافرنا حتى نصل إلى سن الرشد في اتخاذ قراراتنا المختلفة في الحياة التي نتحمل مسؤوليتها كاملة بمفردنا. لكننا نرى أن السائد في مجتمعاتنا هو أن الأسرة تأخذ على عاتقها كل شيء في التربية، حتى إنها تكون أحرص ما تكون على أن تتخذ القرارات التي تظنها مناسبة عن أبنائها والتي يؤمن بها كل من الأبوين بأنها القرارات السليمة الوحيدة في الحياة، كاختيار التخصص والهوايات وحتى اختيار التجارب التي يتعرض لها الأبناء في حياتهم. أغرب ما في هذا الأمر أنك ترى من وصل إلى عمر متقدم يدرك أن العمر مضى ولم يكن لديه من التحكم والاختيار ما يكفي ليقود حياته أو على الأقل يتعرض إلى تجارب إنسانية كافية تصله أو تعرفه بنفسه أكثر ليدرك تواصله مع ذاته ومع ما يحب. تلك الوصاية التي يفرضها المجتمع على الأسرة فتفرضها على الأبناء تنشئ جيلاً لا يستطيع اتخاذ قراراته بمفرده ليتحمل مسؤوليته، حتى إنه يستفيق بعد فوات الكثير من الأوان ليرى أن العمر مضى وأنه لو بدأ في التحكم في حياته منذ البداية باجتياز التجارب المحظورة ليشكل بها تجربته الخاصة لكان خيراً، ولكان وصل إلى قناعته بمفرده حتى إن كانت هذه القناعة شبيهة بالقناعة التي يرسخها المجتمع. الغريب في الأمر أن ترى الكل يروج للإبداع الذي اتضح عبر الدراسات أنه الخروج عن المألوف ومواجهة كل ما يقال في التمرد الإيجابي على الأعراف والتمازج مع ما يحب المبدع وذاته ليصل إلى مرحلة الإبداع التي تضيء الحياة وتنير الكثير من الدروب المعتمة، لكن ترى التصرفات المختلفة تخالف تشجيع الإبداع وتنميته في المراحل الأولى، حتى إذا وصل هذا المبدع المتمرد الإيجابي إلى نجاح مبهر تجد كثُراً من الذين وقفوا ضده يصفونه ويذكرون كيف أنهم كانوا معه وشجعوه على ذلك، حتى إنك لا تستغرب وجود من يقول إن الفضل يعود له في ذلك الإبداع الذي تحقق. [email protected]