الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

متلازمة ستوكهولم

هي حالة ناتجة عن ضغط نفسي يصيب الفرد الذي نتفاجأ بأنه متعاطف أو متعاون مع مضطهده أو عدوه أياً كان، حيث يظهر مشاعر متعاطفة لا تفسير لها، وأحياناً ولاء وشعور بالحاجة إلى من يسبب لهم الأذى. جاء هذا المسمى من جراء حادثة اختطاف كانت في العام ١٩٧٣ حدثت في مدينة ستوكهولم السويدية، حيث قامت مجموعة من اللصوص بمحاولة سرقة أحد البنوك وحجز عدد من الرهائن لمدة ستة أيام، وهذه كانت فترة زمنية كافية لخلق أسباب تعاطف الرهائن مع اللصوص، والدفاع عنهم لاحقاً! فسر علماء النفس هذه الحالة بأنها شكل من أشكال الدفاع النفسي في اللاوعي اعتقاداً من المجني عليهم أنهم بهذا ينقذون أنفسهم، وأن سلامة الجناة من سلامتهم كما يقومون بتبرير تصرفات الجناة وطرح الأعذار ومحاولة تحليل أسباب أفعالهم وتبنيها، وأحياناً الاقتناع بها وقبولها، خصوصاً إن أبدى لهم الجناة شيئاً من الاهتمام ولو القليل، فإنه يعتبر من وجهة نظر الغريق طوق نجاة يتعلق به معتقداً أنه سبيله الوحيد للبقاء. في الحقيقة، هذه الحالة لا تنطبق بالضرورة على مختطفين ورهائن، في الغالب لو دققنا أكثر لوجدنا ملامح مجتمعية ونماذج لأفراد على الصعيدين الشخصي والعملي، حياتهم مقموعة من قبل الأقرباء كالأب والأم أو الأخ الأكبر والأخت الكبرى أو الزوج أو الزوجة .. إلخ، أو من قبل موظفين في العمل، كالرئيس المباشر أو المدير أو أحد الزملاء ممن هم في منصب أعلى أو من يمتلك قدرات أكثر وشخصية مهيمنة، وأحياناً من قبل الأصدقاء المقربين وغيرهم .. ورغم عدم شعور المصابين بمتلازمة ستوكهولم بالراحة بمعناها الحقيقي، ورغم كل الضغط النفسي الذي يشعرون به إلا أنهم يستمرون في صمت وقناعة بأنها الوسيلة الأفضل والأنسب للعيش أو للبقاء، وأن حياتهم هكذا مستقرة لأن شكلها واضح، وتجدهم يحددون نطاق سلوكهم وحجم أحلامهم وما يرغبون في أن يكون عليه مستقبلهم بناءً على شكل حياة المضطهد أو القامع الذي يستمر نقص ما فيهم في تأكيد بعض الأوهام بأنه الأقوى والأقدر على مواجهة الأخطار من أجلهم. يقول المثل الشعبي المصري «القط ما بيحبش إلا خناقه»، هذا مثل قريب جداً من المتلازمة في تحليله، حيث إنه أيضاً يصب في فكرة رفض التغيير والتمرد على القمع وظلم الآخر بسبب الخوف أو القلق على وضع مريح نوعاً ما يبقي المصاب بمتلازمة ستوكهولم عاجزاً عن رؤية الصورة الحقيقية عما يحدث له أو لمجتمعه، هي حالة نكران تتفاقم حتى تصبح واقعاً خاصاً، فطالما أن المنطقة المريحة مازالت متوافرة فيمكن تجاهل الكثير من السلوك السلبي والممارسات الظالمة التي تقع عليه، لأن في داخلهم قناعة عميقة بضعفهم أو صعوبة السيطرة على الموقف مثل الهرب أو التصدي والمواجهة. بعض المصابين بمتلازمة ستوكهولم يمكنهم التخلص منها بمراحل من العلاج النفسي بعد أن يتم إقناعهم بأنهم مصابون نفسياً بها وتفسير ما حدث لهم أنه عارض مفاجئ تحت تأثير الضغط النفسي من جراء حادث أو موقف صعب، لكن في أحيان كثيرة لا ترتبط الحالة بموقف حدث فجأة أجبرهم على تبنيها سعياً للبقاء مثل حالة اختطاف ورهائن، فالكثير من المصابين بها وهم في نظري الأسوأ ممن نشأت معهم في حياتهم الشخصية وتأصلت فيهم كسلوك وعادات، لا يفهمون الحاجة إلى التخلص منها. هؤلاء يحتاجون إلى إعادة تأهيل كامل يخلصهم من كل عوالقهم النفسية التي تحد من انطلاقهم وتمكنهم حقاً من العيش في قالبهم الخاص وقراراتهم الخاصة سعياً لتمكينهم كأفراد بسلوكيات صحية يتمتعون بحقوقهم يميزون حاجاتهم ويحددون اختياراتهم من الخير والشر ضمن أطر منطقية تعطيهم الفرصة ليكونوا ما يرغبون فيه دون الشعور العميق بأن هناك قوة ضاغطة أو قامعة فرضت عليهم شكلاً ما للحياة. «الإنسان عدو ما يجهل» .. إن العيش عميقاً في قاع البئر ولفترة زمنية طويلة لا يقدم أي أسباب منطقية لحاجة الخروج منه، التعود على الظلام والرطوبة لا يوضح قيمة النور والهواء النقي، هم كثر من حولنا يحتاجون إلى انتشال حقيقي ولو لفترة قصيرة يرون فيها المساحات الكثيرة المتاحة لهم تحت الشمس .. كي ننبش فيهم رغبة في الخروج والتغيير، علينا أخذ يدهم نحوهما، ولو لمرة واحدة. للتواصل مع الكاتب [email protected]