الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

مفترقات تشكلها لحظة

في النصف الثاني من الثمانينات بدأت الإذاعات العربية في تقديم نوع جديد من البرامج، وهي برامج البث المباشر، وكنت في ذلك الحين متابعة جيدة للإذاعة، فقد كان أصوات الإعلامية آمال معوض، والإعلامي القدير أحمد حمزة والمخضرم عبد الهادي المبارك، تعطي إذاعة أبوظبي خصوصية تستمد جلالها من هؤلاء الكبار، وذات يوم طرح الإعلامي فؤاد الشرع أثناء البرنامج المباشر الشهير حينها (استوديو»1») موضوعاً عن الكاتبة غادة السمان، وطلب من المستمعين المشاركة بآرائهم، ولأن الموضوع جذبني وأنا القارئة لمعظم كتابات غادة السمان، فقد رفعت السماعة واتصلت بالبرنامج، ودار الحوار. كانت هذه أول مرة يخرج صوتي عبر الإذاعة، وفي مشاركتي الثانية بعد أسبوعين طلب مني الإعلامي عطية شعث بموجب مشاركتي الأولى والثانية، أن أمدهم بمادة يومية، وبعد مرور أسبوعين أو ثلاثة، طلبني مدير البرامج هاتفياً ليشيد بمشاركاتي ويكلفني بإعداد برنامج إذاعي، تبعته برامج، وبذلك دخلت حقل الإعلام الذي ما فكرت يوماً أن أدخله. أتساءل: لو لم أرفع سماعة الهاتف ذلك اليوم، ماذا سيكون مجال عملي؟ لا أدري، كل ما أدريه أن في حياة كلٍّ منا أموراً صغيرة جداً قد تمثل مفترق طرق، فتنقل الفرد إلى اتجاه وترسم حياته، فهاهو إسحاق نيوتن يجلس تحت شجرة فيشهد سقوط التفاحة ويطرح أسئلته حول أسباب سقوطها نحو الأسفل، وبعد بحث توصل إلى الجاذبية الأرضية، وأصبح من أهم فيزيائيي البشرية، ولدينا نموذج قريب أيضاً وهو الإعلامي باسم يوسف، وهو الطبيب الجراح الذي خطر له ذات يوم أن يصور فيديو ساخر ويرفعه على شبكة التواصل الاجتماعي، وتبعه بآخر ليفاجأ بنسبة مشاهدة وصلت إلى الملايين، وهو ما لفت انتباه أصحاب القنوات له، فتلقى عرضاً لتقديم برنامج، ففعل. والآن صيته وسمعته تعدت الدول العربية، وأخباره تتناقلها الصحف العالمية. انظر إلى محمد عساف أيضاً، وما وصل إليه في فترة وجيزة، من فوز وصيت وشهرة وسفريات وانتشار واسع، وكلها أمور لم تخطر له في الحلم قبل أشهر قليلة، وتأمل، تجد أن عبارة بسيطة صدرت من أمه، حولت مجرى حياته، فعندما وصل متأخراً ولم يستطع الدخول وقد نفذت الأرقام التي تُوزع على المشاركين، والتي بموجبها تتم المشاركة، حينها اتصل بوالدته ليخبرها أن لا أمل، فقالت له بعفويتها وفطرة الأم الحريصة على ابنها: (نط من الحيطة) ففعل، وتوالت الأحداث، وكانت النتيجة أن حصل على النجاح .. عبارة قصيرة، غيرت تاريخه. يتكرر هذا الأمر مع كل شاب بعد الانتهاء من الثانوية العامة، فلحظة تحديد التخصص أو التوجه الذي غالباً ما يكون المؤثر فيه مكالمة هاتفية، أو لقاء بشخص غير متوقع، أو مشاهدة لم تستغرق ثوان، أو لحظة تأمل، عندها تتحدد مسيرته وتاريخه، إنها مفترقات تشكلها لحظة. [email protected]