الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

روسيا بين الواقع والخيال

تتواصل فعاليات الاحتفاء بما يطلق عليه الكثير «عودة روسيا إلى مصر» أو«عودة الدفء إلى العلاقات المصرية الروسية». لا شك في أن العلاقات المصرية – الروسية، ومن قبلها السوفييتية، تعرضت لهزات تاريخية طوال ٧٠ عاماً، لأسباب كثيرة منها ما يقع على عاتق مصر، ومنها ما يقع على عاتق روسيا أو الاتحاد السوفييتي السابق. ولكن ماذا يمكن أن تقدم مصر لروسيا، والعكس؟ ما الطاقة الاستيعابية لدى مصر في ما يتعلق بما يمكن أن تمنحه روسيا لها؟ وما حقيقة المواقف الروسية بالنسبة للشرق الأوسط عموماً، وبالنسبة لمصر على وجه الخصوص؟ وما الملفات التي تهم موسكو؟ لقد كانت روسيا في غاية الحذر مع بدء الانتفاضات في شمال أفريقيا. وكان من الواضح أنها تدرك أن تيارات الإسلام السياسي أو قوى اليمين الديني المتطرف تستخدم انتفاضة الشباب، وتستثمر الوضع العام اقتصادياً وسياسياً، وتتفهم رغبة الولايات المتحدة في عملية إحلال الإسلام السياسي محل النظم الاستبدادية التابعة لها. لذلك لم تتسرع روسيا لتؤيد هذه الانتفاضة – الثورة أو تلك. ولكن روسيا ليست الاتحاد السوفييتي، ولن تكون. وروسيا ما بعد السوفييتية هي دولة رأسمالية تنافس كل القوى الرأسمالية الأخرى في السوق العالمية وفي المجالات الجيوسياسية والجيواقتصادية والأمنية. وروسيا الآن تقود عملية التحضير لمؤتمر «جنيف – ٢» وتعمل بكل الطرق على لم شمل النظام السياسي مع قوى المعارضة الأخرى الداخلية والخارجية والمسلحة أيضاً. إن روسيا تميل إلى مثل هذا النوع من الحلول التي تحتمل أكثر من وجه، وهذه طريقة تعطي انطباعات جيدة بأن هناك حلولاً، ولكن القضايا نفسها تظل لسنوات طويلة عالقة وبدون أي حل. وخلال عمليات المساومات والمفاوضات التي تستمر لسنوات، تنجح موسكو في استخدام كل هذه القضايا كأوراق سياسية أو أمنية أو اقتصادية مع منافسين كبار وقوى كبرى أخرى. هكذا يمكن أن نتصور نجاح «جنيف – ٢» أو على الأقل حلحلة الأمور بالنسبة لسورية، خصوصاً وأن إيران بدأت غزلاً صريحاً مع الغرب عموماً، والولايات المتحدة على وجه الخصوص. بل وبدأ العديد من اللقاءات بين طهران وأنقرة. من الممكن فعلاً، في حال حدوث تلك الحلحلة في الملف السوري، أن يبدأ الروس والأمريكان في سيناريو مشابه أو على النسق نفسه لفرض ما يسمى بـ «المصالحة الوطنية» في مصر. إن روسيا في الحقيقة، لا تفعل أكثر من تنفيذ السيناريو الأمريكي بتمكين تيارات الإسلام السياسي وقوى اليمين الديني المتطرف، ولكن بطريقة أخرى ناعمة ومخملية. هكذا هو مؤتمر جنيف، وهكذا يمكن أن تتبادل موسكو وواشنطن ورقتي مصر وسوريا لينتهي الأمر بمصالحات وصفقات تؤدي إلى إشراك الإسلام السياسي والقوى المتطرفة في الحكم في بعض الدول، وانفراده بالحكم في بعض الدول الأخرى. [email protected]