السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

حجة خاطئة وإن كانت مريحة نفسياً

هل كل معلومة ذات فائدة ما هي صحيحة وصادقة بالضرورة؟ لنعد قليلاً إلى الوراء، وبالتحديد قبل أن يطل كوبرنيكوس برأيه على العالم، كانت الفكرة السائدة هي مركزية الأرض للنظام الشمسي، وثق الناس بهذا النموذج لأنه كان يعمل، وكانت هذه المعلومة مقبولة لأنها مكنت بعض علماء الفلك من التنبؤ الدقيق بمسارات الكواكب والنجوم بناء عليها، لكن علتها أنها غير دقيقة، كان من الممكن قبول الأمر والسكوت عنه لو لم يظهر من يتقصاه، لكن الذي حدث بعد استنتاج كوبرنيكوس من تصويب لهذه المعلومة أربك معتنقيها، وقد كان هناك احتجاج تاريخي معروف، فإن كان النموذج العلمي القائم لدينا يسمح لنا بإنشاء تنبؤات وتصورات سليمة عليه فما الذي يجعله غير صحيح مهما كان على غير شكله، من مبدأ أن المعلومة تعمل وأنها ذات فائدة؟ أو ما يعرف اختصاراً باسم (حجة النجاح العملي)؟ لكن هذا الاحتجاج هش، فمهما حققت لنا المعلومة التي بين أيدينا من فوائد ونجاح عملي فهذا لا يعني بالضرورة صوابها، إن إثبات منفعة النموذج لا يثبت صدقيته، قد يكون أحد الاستدلالات على صدقيته لكنه لا يحسم المسألة. ومن هنا ظهرت مبادئ الشك في المعلومة المتاحة، ليس الشك المتطرف بل الشك المعتدل الذي لا ينفي إمكانية المعرفة عن البشر، إنما لا تصل بنا إلى حد التأكيد المطلق على أنها تمثيل صادق للواقع. فهناك مثلاً الكثير مما يمكننا الاستناد عليه باعتباره مسلمة أو بديهة. نحن نعرف مثلاً أن الإبريق سيكون ساخناً لدى تسخينه عند درجة حرارة معينة، ولدينا تفسير علمي خاص بهذه الظاهرة، إنما وقوعها تحت النظر أمر مثالي علمياً. ممكن أن تنسحب هذه الرؤية على الكثير مما نعتقده في حياتنا اليومية على مستوى ديني أو اجتماعي أو ثقافي أو سياسي أو غيره، نحن نسلم بصدق اعتقادنا ناحية شيء ما لمجرد أنه يجدي في الميدان، ويجلب الكثير من المنافع، لكن هل بإمكاننا البت في الأمر وزعم أن ما نقوله هو الحقيقة بشكلها الذي هي عليه، أم ما نتصور نحن أنه حقيقة؟ ومن هنا تنشأ الخلافات وتعدد وجهات النظر، وأحياناً الأزمات. نحن ببساطة نبرر ثقتنا بصدق معظم اعتقاداتنا لأنها تعمل جيداً في الممارسة، وهذا لوحده مسوغ كاف لنا كي نتبناه طول العمر ونرفض تقصيه، أو نرفض نتيجة تقصيه لأن الشك مؤلم، ويشكل خطراً وتهديداً للثوابت، ومن الممكن تفهم نفسية من يرفض هز الثابت لديه لأن الأمر صعب عليه، ولن يكون بمقدوره التكيف مع العالم في عدم وجود ثوابت يتكئ عليها وتشكل له منصة انطلاق في الحياة، لكن لا يمكن القبول بهذه التبريرات لمجرد أن النفس تبتغيها.