الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

قلوب ممطرة

مطر يفُك قحط نفوس ذابلة ارتخت أوراقها في سبيل ماء مُنعش، سحُب مُسافرة مثل القوافل السائرة التي تُسقط حمولتها في الأرض ليبتهج الأطفال، ويُسمع صدى الأغاني المُرتفعة على وقع طقطقات الزخّات، من السّماء جاء يغسل الأزقّة المُتسخة ويطبع على ملامحها آثاراً جديدة قوامها طهارة الأرض. وإن ارتوت الشّعاب فهل ترتوي قلوبنا؟ على وقع المطر، شردت أفكاري كما هروب الصّغار من بيوتهم، فلا يوجد أفضل من المطر مُحرض لمشاعر الشوق والحنين، فتتراص الذكريات وتجتمع الصور وتنبض القلوب مع كل رذاذ في لقاء شاعري خاص، أحياناً يكون الجو العام مثل مفتاح لأبواب لا نهاية لها من حب يتأجج مع برد يصاحب الأجواء. يا لضآلتنا أمام الطبيعة، يا لبراءة قلوبنا المُنحنية أمام هيبة الطقس. في المطر البعض يطلق عفنوان جنونه، يقص رباط الرسميات فينساب والبسمة كلون يزدان خلاله، لا قيود تشدُّ الخناق عليه فينسى الأتراح المحدقة به والهموم الكاسرة للسعادة ويتماهى مع ظواهر الكون كجزء منه مشارك في خصوصيّة الأيام. يعتق المطر رقاب المشاعر فتغدو حُرّة تجول بين الأوراق. وأي شعور ذاك يشتعل فتيله كالحُب، كالعاطفة التي لا تخبو، كالرقّة المُكافح دفؤها فالحب يتقاسم مع الأمطار عذوبتها فيجتمعان كصاحبين لا يفترقان ويبقيان معاً، فتظلّ نظرات العاشق أمام نافذته الممسوحة بالمطر، وتظهر أبيات الشعر وروعة النثر في وقت صبيب المياه المُندفع. تتطهّر الأرض بالمطر ولكن دواخل القلوب لا تُطهّرها مياه. فدواخل النفس لا تُغسل إلا أن تنقت من الغل والحسد، وما أحوجنا إلى إعادة ترميم نفوسنا قبل أن نُرمّم العيون المُشتاقة برؤية المطر، فعادة نرتمي في أحضان السطحيّات ونُغيّب حقيقة أنه ومهما كان ما حولنا من أجواء إلا أن جو الأنفس هي الباقية. الفصل الخامس من فصول السّنة هو فصل القلوب. فأنت من تصيغ سماته، فقد يكون فصلاً جافاً لا تعبر من ثناياه الأمطار خاوياً من نسمات الانتعاش، أو أن يكون فصلاً غامراً بالمحبّة، غامساً نفسه تحت أعماق آبار الإيجابية، فقد يغيب المطر عن مُدننا أياماً ولكن هناك أناس تمطر قلوبهم كل حين ويمطرونا من فيض كرمهم. نفوسنا كالتربة تمتص مياه الأمطار لتنمو الأشجار الرافلة التي تشحن الأفئدة، وحدها أمطار الحُب تتكاثر لتشكل بحيرة في ضفة قلوبنا. [email protected]