الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

كتاب .. ورحلة ..

1 تبدأعملية الولادة بمخاض مؤلم صعب قد يكون حداً فاصلاً بين الحياة والموت ليطل مولود من عالم ذي ثلاث ظُلَم، إلا أنه كان آمناً، إلى عالم نور لا يدري كم من الظُلَم فيه؟! أعلن قدومه بصرخة، لكن لا يدري كم من الصرخات سيطلق بعدها؟! كل عالم له ميزاته وامتيازاته، لكن هل تستمر، أو سيفقد بعضها أو كلها؟ أو سينال امتيازات أخرى وحوافز لم تكن بالحسبان؟ 2 الحياة لكل إنسان من بدايتها عبارة عن كتاب صفحاته في البدء بيضاء خالية من أية حروف أو علامات، لكن هل ستظل كذلك؟ تتراكض الأيام، والكتاب تبدأ صفحاته بالامتلاء حتى تترع وتختتم فصولاً، لتبدأ فصولاً جديدة بشخصيات وأحداث جديدة. هل سيخط شيئاً منها بإرادته، أم أنها ستملى عليه رغماً عنه؟ وهل كان كل ما يكتب مرضياً عنه، أو ينال الإعجاب والاستحسان أو الاستهجان؟ وفي حالة التقاط الأنفاس ومراجعة وتذكر بعض ما لا يسر، فهل لديه القدرة على طيها أو حذفها؟ هل يستطيع أن يكتب في كتاب غيره، أو أن غيره يستطيع أن يكتب عنده؟ هل هناك حرية بالكتابة، أم أن هناك رقابة وشروط وعقوبات لمن يتجاوزها؟ وماذا لو أحسن الكتابة وأجاد؟ علماً أنه كتاب واحد، وعدد صفحاته ليس بمقدور الإنسان تحديد عديدها. 3 ويمضي قطار العمر، وتدور عجلات الأيام على سكة الزمن، ومع الدخان المتطاير من مقدمة القطار تتبعثر السنون مع أحداثها تتراكض لاهثة خلفه تحاول إدراكه دون جدوى لتصبح سراباً سرعان ما يتلاشى ليصبح أثراً بعد عين ومجرد ذكرى. قطار يمضي بلا توقف، يتجاوز المحطة تلو المحطة، وقد يشعر قاطع تذاكر القطار أو ينبهه إلى قرب نهاية الرحلة التي أشرفت على الوصول إلى المحطة الأخيرة. وفي خضم هذه الرحلة يتجاهل المسافر أموراً وينسى أو يتناسى، أو يؤجل بعضها بحسب الأهمية بزعمه، لكن كان عليه أن يدرك في وقت من الأوقات أنه إذا حانت رياحه أن يغتنمها. في مثل هذه اللحظات الحرجة المهمة يتذكر ما فاته، ويحاول جاهداً تداركه، لكن هيهات! إنه الآن يتهيأ للتوقف في محطته الأخيرة، وخلال مرحلة الترجل من العربة تمر من أمام عيونه صور متلاحقة بتسارع فتراه مرة متهلل الوجه، وأخرى متجهم القسمات، وهو يردد: نسير إلى الآجال في كل ساعة .. فأيامنا تُطوى وهنّ مراحل. 4 تبدأ الحياة بصرخات، وتنتهي بصرخات.