الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

لذة المنع

يتصور بعض الكتّاب أن التعرض إلى عملية رقابية من أي نوع تجاه ما يكتبونه مكسب خاص لا يظفر به كل أحد، معناه أن الكتاب مقلق لجهة ما وهذا بحد ذاته انتصار في معركة تنتهي ببيع كل النسخ على أي حال. يزداد هذا الإحساس بالتعاظم والفخر عندما يتم منع كتابه أو ديوانه من العرض في معارض الكتب لسبب ما، وهنا يصبح للكتاب هيبة، ستسمع نغمة ارتياح واضحة من قبل الكاتب وهو يحكي للجميع كيف يتسبب كلامه في إحداث صداع لدى السلطات الرقابية لأنه سيسهم بشكل كبير في انتشار أفكار خطرة عليهم، هذا يعني أن الناس ستتحدث عن قدر الكتاب وكيانه بإفراط، والمؤكد أنهم سيفتشون في لهفة عنه رغبة في اصطياد مبررات منعه عنهم، إنهم يعشقون جو الدراما هذا، ثم إن الممنوع مرغوب كما تعلم. لكنها ببساطة فرصة إعلانية مجانية للكاتب غير مسبوقة كأنما فُتحت له طاقة القدر. فات عليهم أن من يقتحم عالم الكتابة لابد أن ينزلق في متاهة المنع، ولا بد أن تجندله الرقابات، ويجابه بصد أي محاولات جموح حتى يتكيف تدريجياً مع الإطار المحشور فيه ويتشكل بحسبه، هذه قاعدة اعتدنا وجودها و(كاس داير على الجميع)، لكنهم مازالوا يتكلمون عن ازدياد الحظ بالمنع والذي يداعب عضلاتهم الفكرية، إنما الكلمة الأخيرة تبقى للمتلقي الذي ربما وقع ضحية تمرير إعلاني سخيف، لكنه على الأغلب سيتعامل مع تلك الكتب بعد تقليبها بين يديه بحجمها الحقيقي، وربما يضمحل النتاج في عينه من باب عدم استحقاقه هذه الضوضاء، وكثيرون منا كانوا قد صادفوا كتباً حصدت ضجة مبالغة حتى اصطدموا بعدم وجود علاقة لمنعه بخطورته وقوته التي يزعمها من كتبها، بل لعل السبب كان في ابتذاله ورداءته مثلاً. تذكرت الفنانة سهير رمزي عندما عادت إلى الأضواء بعد صمت دام ست سنوات، صرحت بأن مسلسلها (حبيب الروح) تم منعه من العرض لأن سوزان مبارك ترفض حجابها فيه، وكانت تكرر هذا في كل مناسبة باعتزاز في محاولات مضنية لكسب صف التيار الذي يحرم الفن طبعاً، لكن مزاعمها غير دقيقة لأن ثمة مسلسلات عرضت مزامنة مع مسلسلها الجديد ذاك وقد تضمن وجود محجبات أمثال حنان ترك وصابرين، هذا غير أنها ترغب في أن يصحب عودتها هوجة قوية تشعر أنها تليق بمقامها. باختصار هناك من يشعر أن المنع يضفي على عمله لمسة جاذبية ولذة كبيرة، فهو إما أن يخلق شائعة منعه، أو يتعمد تجاوز الحدود كي يناله، وكلها لا تعدو حاجات نفسية ملحة ورغبة في الظهور بأي ثمن، ولا يكفي برأيي امتناعك عن اقتنائها لوأد هذه الحاجة فيهم.