الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

الأغنيات الشعبية ليست مشكلة لوحدها

حين يستغل المنتجون موجة من الأغاني الشعبية لتضمينها كعنصر في الأفلام السينمائية بغرض الترويج لأعمالهم الفنية، يكون عذرهم الوحيد هو أن هذا التضمين حصل بعد أن لفتت هذه الأغاني الأسماع إليها، وتحديداً لدى الشباب، وبرغم تفردها بسوء السمعة من داخل الوسط النقدي لكنها أصبحت جزءاً أصيلاً من محتويات الأفلام التجارية. دعنا نتفق أولاً أن فكرة الأغاني الهابطة موجودة في كل الأزمنة، وليس معنى ذلك أن الأغنية الهابطة هي السمة التي يجب أن تغلب في أي فيلم لكي تجلب الإيرادات له، فمن الممكن بالفن الجميل أن تحصد الإيرادات، المنتجون يقدمون أعمالهم بحسب ما يتطلبه السوق ليحقق العمل أعلى الإيرادات وفي الواقع هم لا يبتغون أكثر من هذا الحصاد، ولا ينظرون لأسباب أخرى. هم يسيرون بطريقة المكسب كـ «شريعة في الحياة الفنية»، ولذا فإن تلك الأعمال تفقد مشروعها كقيمة فنية من وجهة نظر نقدية على الرغم من أن الأغاني تلك غير خادشة للحياء، فالمعيار النقدي الذي يجعل من إحدى الأغنيات (هابطة) هو أن الأغنية ذات كلمات غير معبرة تماماً، كأغنية (السح الدح أمبو) أو (الكاماننا). لكن المشكلة لم تعد محصورة في هبوط جزئي للفن باستخدامه تلك المطعمات، إنما طالت النقد الفني كذلك، هناك صيغ مجاملات بالكيلو للفنون المبتذلة، أو التي يُحشر بداخلها أغنيات رخيصة ولا علاقة لها بالأحداث، لكنها تخاطب فقط من لا يمتلكون تذوقاً فنياً. وفي المقابل هناك من تخصص في مهاجمة كل جديد وإن كان بمنتهى الروعة، تجد لهجة دائمة لبعض نقاد الفن وهم يتباكون على الزمن الجميل ويسمون هذا (بالهرتلة) كتعبير مقرر في كل الصحف، يهاجمون تفاهة الأفلام والمسرحيات الجديدة بأغنياتها ولا يدركون أن مستوى كتابة المقالات النقدية نفسها في تردٍ واضح، ولا يختلف ما يقال فيها عن المدرسة الفنية التي يهاجمونها، مع مهاجمتهم لجميع الأغاني الشعبية عموماً كسبب في انحدار الفن. بعض الأغاني الشعبية أغان راقية جداً، ومنها تلك التي تغنى بها كارم محمود، ومحمد قنديل، وأحمد عدوية، ومحمد رشدي، وتحظى بقبول جماهيري عال وليسوا من فئة صغار السن وحدهم، ومن الإجحاف إلقاء تهمة اهتزاز قيمة الفن أصلاً على عاتق تلك الأغنيات وحدها سواء كانت جيدة أم رديئة، فلينتبه النقاد إلى تفاصيل أخرى أدت لهذا المستوى غير المُرضي ويبحثون في أساس مشكلة انحدار الفن العربي بدلاً من تقليد بعضهم البعض والتعرض إلى جانب الأغنيات الشعبية فقط.