الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

بعد «موضة» الدعاة تتصدر موضة «النشطاء»

بت أخشى تكرار عبارة أن الزمان الذي يلفنا الآن هو بالفعل «زمن غريب عنا» لكني فيما يبدو مازلت أعاني، على الرغم من مرور الوقت من أعراض الدهشة نفسها والمفاجأة وعدم الفهم للكثير، ما يحدث حولنا، لذا وربما خوفاً مني على نفسي من الدخول في دوامة اكتئاب حقيقية، باتت لدي رغبة دائمة في تقاسم ما أعاني منه معكم لعلي أجد في نهاية الأمر ما يفسر لي هذا الكم من التناقض الذي صار بوصلتنا الوحيدة هذه الأيام. تشكو جماعات العنف، على اختلاف مسمياتها أو انتماءاتها، من فقدانها للشرعية التي اكتسبتها وأيضاً من المواجهات الأمنية القامعة لها على فرض أنهم قد حصلوا على المزايا كافة التي تمتعوا بها منذ هبة 25 يناير وحتى الثلاثين من يونيو، ألا يوجد بينهم عاقل واحد فقط قادر على الصراخ في وجوههم أن كل ما نالوه كان بالمراوغة والكذب وظهورهم بوجوه لا علاقة لهم بها من قريب، أو بعيد، وأن كل ما فقدوه ما هو إلا حصاد لما زرعته أيديهم، وأنه محصلة عادلة لممارساتهم وتصريحاتهم وقراراتهم؟ اليوم يتشدق هؤلاء بحقوق المرأة ويتباكون عليها ويقيمون الدنيا ولا يريدونها أن تهدأ، لأن هناك فتيات تمت محاكمتهن وأن هذا ضد الأعراف. هل ما ينظم البلاد هي القوانين، أم الأعراف؟ من المفترض أن الجميع سواء أمام القانون، فماذا مطلوب منا أن نشذ على هذه القواعد المنظمة لحياة أي مجتمع؟ وفي قول آخر يمكننا استعارة عبارات هذه الجماعات التي ظلت ترددها على أسماعنا لشهور طويلة، ما الذي جعل هؤلاء الفتيات تتركن قاعات الدراسة والبيت لتتظاهرن وتتمادين بالتعدي على رجال الأمن، أو الهجوم على الحرم الجامعي، أليس هذا ما كان يقال كلما تحدثنا عن انتهاكات تطول الفتيات في المظاهرات المعارضة للإخوان، ألم يكن القفز على التساؤلات الغبية هو أسهل الطرق، ماذا كانت تفعل الفتيات في ميدان التحرير، أو أمام قصر الاتحادية، على اعتبار أن التعدي عليهن مبرر، وهن من تتحملن عواقب ما تقترفه أيديهن، اليوم لا يتم التعدي عليهن، بل تحاسب كل منهن بالقانون، فما العيب في هذا؟ وعلى الرغم من كل هذا صدر عفو رئاسي عنهن مجاراة للأعراف وليس القوانين. الأدهى من هذا وذاك ليس تبجح جماعات الإسلام السياسي، لكن سعي بعض من كانوا يدعون الثورية، ووقوفهم ضد الإخوان وأسلوب حكمهم، للتحالف معهم ضد ما يطلقون عليه حكم العسكريين .. ما هذا .. وماذا يعني؟ لا أحد يعرف. البعض يؤكد أن من يسعى للتحالف مع الأخوان اليوم هو عميل لجهات بعينها وينفذ أجندة محددة له بدقة، والبعض الآخر يرى في هذا التراجع سقوطاً يومياً لبقية الأقنعة، بينما البعض المتبقي يراقب وقلبه يعتصر على وحدة الصف التي تظهر لنا في بدايات كل مواجهة مع الأوضاع السائدة، لكنها لا تلبث أن تتحول إلى صراع على الغنيمة، وكأن مصر تتعرف من جديد على حقيقة أولادها. ما هذا الكم الملتبس من الألقاب؟ فبعد موضة داعية لكل مواطن، وإطلاق كل من هب ودب على لقب داعية نفسه، منذ 25 يناير ونحن نجد كل من يعبر الشارع من رصيف إلى المقابل ويرفع لافتة، يطلق على نفسه لقب ناشط سياسي، أو حقوقي حتى بلغ عدد النشطاء في مصر مع عدم المزايدة، ربما أكثر من أربعين مليون ناشط، وعلى الرغم من هذا الكم الهائل، فإن الحال لايزال على ما هو عليه. [email protected]