الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

شاوشيسكو الملاك!

اتصل بي منذ أيام صديق من سوريا، وهنأني لصدور كتاب جديد لي، وطلب نسخة من الكتاب أرسلها له مع شخص أعلم أنه مؤيد للنظام في حربه القائمة منذ سنتين وثمانية أشهر ضدّ شعبه. وأنت تقرأ «الملك ينحني ليقتل» للألمانية من أصل روماني هيرتا موللر والحائزة على نوبل للآداب تكتشف أن البشاعة ليست أمراً طارئاً على الحياة. أعني البشاعة السرية التي تمارس في الأقبية، فيما الواجهة تغطيها لافتات حريرية مطرزة بكلمات مثل (العدالة، الحرية، الكرامة، الاستقلال....). تتحدث موللر عن تجربتها في التعليم في رومانيا. تقول إن أول درس لها كان في صف لأطفال في سن الخامسة. أرادت أن تبدأ علاقتها بهم من خلال أغنية عن الثلج، لكن أحدهم قاطعها: «علينا أن نغني النشيد الوطني أولاً يا رفيقة». لم تجد موللر بداً من الاستجابة، وعندما انتهى النشيد جلس الأطفال في مقاعدهم باستثناء واحد، تقول: «توجه صوبي. وقف أمامي ونظر في عينيّ وسأل: لماذا لم تغني معنا يا رفيقة؟ رفيقتنا الأخرى كانت تغني معنا النشيد دائماً! ابتسمت للطفل وقلت: إذا غنيت معكم فلن أستطيع سماع ما تغنون وتمييز صحيحه من خطئه. لقد كان حظي جيداً، فالحارس الوطني الصغير لم يحسب حساباً لمثل هذا الجواب، وأنا أيضاً فوجئت بجوابي». الأكثر إيلاماً في كلام موللر إشارتها إلى رغبتها بعد تلك الحادثة في تدريس طلاب أصغر عمراً، في الثالثة مثلاً، أما الخامسة فسن متأخرة جداً على أي قابلية للتغيير كما تقول. كان الخراب لدى أطفال الخامسة قد أدى وظيفته وانتهى! مشهد يبدو الأكثر قسوة بين مئات المشاهد التي عرضت لها في كتابها، والتي تفيض دماً وصراخاً وعويلاً جراء حفلات التعذيب التي تعرض لها الملايين من المواطنين الرومان. إنه صراخ الروح وهي تتحطم. الروح الغضة التي لا تزال في بداية تفتحها تطل برأسها على الحياة لتفاجأ بقبضة الديكتاتور تلويها. هكذا لن تعود للديكتاتور حاجة إلى جهاز منظم يحميه، روح الضحية هي من سيدافع عنه عند الضرورة. الطفل يحرس الديكتاتور، يحول غرفة الصف إلى غرفة للتحقيق، يجلس المشتبه به إلى الطاولة، ويحاسبه. يعذبه بصورة الرعب التي تنتظره. وفي لحظة الحقيقة كان شاوشيسكو ينتظر من الأطفال الذين كبروا أن يدافعوا عنه، لكن ذلك لم يحدث. سقط شاوشيسكو سريعاً، وأنقذت رومانيا نفسها. تختلف البشاعة الرومانية عن البشاعة في مكان آخر مثل سوريا في هذا التفصيل فقط. فالديكتاتور السوري نجح في المحافظة على نفسه، حتى الآن على الأقل. ما الذي يعنيه هذا؟ هل كنا في حالة شاوشيسكو أمام ملاك قياساً إلى الشيطان السوري؟ اقرؤوا كتاب موللر لتعرفوا البشاعة الرومانية عن قرب. ثم تابعوا نشرات الأخبار عما يحدث في سوريا، لتعيشوا في قلب البشاعة أو لتكونوا جزءاً منها. [email protected]