الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

طائر الشتاء

تغريدة قصيرة: طائرٌ صادقته منذ شتاءات خلت أسمعه الآن يصرخ في المدى بحثاً غير منقطع ما زلت أسأله: عمّ تمدُّ جناحيك بحثاً؟ تغريدة طويلة: ما زال يصرخ بعد منتصف الليل في فضاء الشتاء، منذ سنين، باحثاً، ما زال يسعى وراء مطلب حبيبته كما قيل، يقال إنها طلبت منه خاتماً من بلاد بعيدة، لم تحدد اسمها، ولا شكل الخاتم الذي تريد، معدنه ربما من الجنة، وربما من نار، شكله لم تمسسه الهندسة بقالب، ولا بكيمياء التكوّر. ما زال يصرخ حزيناً، كأنفاس الشتاء، منادياً كل من يراه، ويسمعه، متنقلاً من نجم إلى آخر، ومن غصن إلى غصن، لا يغمض له جفن ما دام الليل قائماً، كأنه يملك إيماناً راسخاً بأن للخاتم التماعاً سيدله عليه انسدال الظلام، لا تمل جناحيه رياح، وتشفق عليه النسمات، ممتلئاً بالأمل، بالتأمل، بالأسئلة. ما زال يصرخ اشتياقاً، خوفاً، انفراطاً من عقد الرجوع بلا مطلب من خطب ودها منذ قرون، وما زالت تنتظره كما يعتقد، وكما يجب للحب أن يكون وفيّاً دائماً، بوجع الحرمان واحتراقات الحنين. ما زال يصرخ، وما زلت أسأله بفضول المشفق، عمّ تبحث أيها الشجيّ؟ وأنا أحمل في خاطري كل الحكايات التي حيكت حول صراخه واستمرار تحليقه كل ليلة من ليالي الشتاء، كل الخرافات والأساطير التي لم يقلها ولا يعلم عنها شيئاً، لا أريدها، أريد إجابته هو، علّه يحدثني ذات ليلة، حين أدعوه إلى دفء شرفتي وقلبي، فيريحني من حيرتي، وأريحه من بحثه. أيها الصغير الأسود القاطع المسافات مبدّداً وحشة الليل بوحشة صراخك، أيها الآكل عشب السؤال بمنقار البحث والشك، يا مؤنساً حيرة الروح بأصابع الغناء على أوتار الشجن، أيها الراقص كقبقاب على سطح البرد، أعلِ صرختك وأدمها، ما دامت غايتك بعيدة، والوصول إليها مستحيلاً، وما دمت بعيداً عن المرآة، قريباً من قلبك، لا تقف إلا عند مبتدئك، وخذ حلماً جديداً بعدها، وابدأ رحلة أخرى، بيأسٍ حميد وأمل شديد، وغناء مديد، لك الفضاء فلا تتركه، ولك الليل فلا تذره وحيداً، ولك الشتاءات جميعها، فكن لها ما استطعت، ما حييت، من صوتك استسقي دفءَ الذكرى، وإسرائي الدائم لأوّل الرحلة ومبدأ الحلم القديم، فلا تجعلني أرث بُعدك فبُعد كل ذلك بَعدك.