الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

مسارب الألم

مؤلم فجأة أن تجد نفسك خارجاً عن سيطرة عقلك، فكل شيء مظلم حتى الجهات التي كانت خطواتك تنظر إليها بفرح، ومؤلم أن تفقد إحساسك، وأنت لا زلت في مرحلة أن تكون مختلفاً مع الآخرين، ثم تعلن إفلاسك حتى من المشاعر التي تبقت قليلاً بين عروقك، مؤلم أن تستيقظ، وخيبات الصمت تتوالى عليك لا تعلم أي التفاصيل هذه التي تركتك إنساناً لا مصير له، ولا قرار يكاد يبصر منه الضوء الأخضر. مؤلم أن تستعد لحياة مختلفة أخرى لم تعتد عليها قد تستعيد معها أنفاسك، أو تعيش عزلة نفسك وحدك، مؤلم افتقارك للصديق الذي إن تألمت وضع يديه على يدك، وأخذك بعيداً عنك، كي لا تعيدك الأوجاع مرة أخرى إليك، مؤلم أن تتنفس والهواء الذي تشهق ملوث من البشر والحساد، مؤلم أن تفتقد روحك التي ضاعت بين غبار الريح ومواسم القحط والشتات، مؤلم أن تكون أحداً من هؤلاء الذين لا ينتمون للإنسانية، وتكاد تضيع وحدك مع أمثالك، مؤلم أن تعلن الاستنفار والغضب والقرار الذي يجعلك تقف على الأرض من جديد، ثم تشعر أنك لا تحتمل صمودك، فتنهار مغشياً عليك على أرض رخوة. مؤلم حين تموت آلاف المرات، ولا تجد من يردم قبرك وأنت حي، مؤلم عشقك للحياة ومن فيها لا يعشقونك، مؤلم أن تسافر بعيداً جداً، ومعك حقيبة وقلم ونبض قلب وآلامك المتمسكة بطرف ثوبك، ثمة أشياء في مخيلة الإنسان قد تبدو قريبة جداً إلى الواقع، وحين تبصرها، أو تهم بالإمساك بها تفاجأ بأنها ليست إلا سراباً منقطع النظير، فثمة أوطان مختلفة غربة أهاليها تكاد تفقع الأعين من حروبها، ومن دمار منازلها، من كل شيء هو ممكن أن يكون كسرطان متفش بشرايين الأراضي المسلوبة. ثمة نساء يحملن أوجاعهن، وهن يعلمن أنهن لسن قادرات على اجتياز مسار الخطوط التي تعرجت بهن، وتاهت حولهن بلا وعي ولا إدراك، وهن بذلك قد عشن لوناً آخر من العذاب اللامحدود من الصمت. مؤلم أيضاً أن تبدو باسماً طوال الوقت تضحك مع الآخرين، إذ تحلق مع لحظات الأمل بكل الأجنحة الملونة التي تملكها، ثم تفاجأ بسقوطك، وأنك كنت مجرد فقاعة لزبد البحر.