السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

منح الهدايا للإعلاميين رشوة مبطنة وإضرار بالمصداقية

رأس مال الإعلامي صدقه، وكل ما يؤثر في هذه الصدقية أو يمسها مرفوض في أخلاقيات المهنة، فبِمَ توصف إذاً الهدايا المقدّمة إلى الإعلاميين من مصادرهم والمؤسسات التي يتعاملون معها؟ استثمرت «الرؤية» وجود عدد كبير من الإعلاميين في منتدى الإعلام العربي للوقوف على آرائهم حول قبول الهدايا التي تمنح لهم، فمنهم من رفضها بشكل قاطع معتبراً قبولها إساءة للمهنة وامتهاناً للإعلامي ذاته، فيما اعتبرها آخرون رشوة مبطنة، خصوصاً أنها تقدّم لشخص بعينه دون غيره. واختلفت الآراء حول قبول الهدايا الرمزية البسيطة، فمنهم من ذهب إلى كونها لا تشكل خطراً ولا تضرّ بمسار العمل المهني، فيما صنفت من قبل آخرين في إطار الرشوة وإن انخفضت قيمتها، مفرّقين بينها وبين تكريم المصادر للإعلاميين على جهودهم، إذ إن التكريم يشملهم ومؤسساتهم علناً، كما أنه لا يحدد في مؤسسة بعينها ما يجعلها حافزاً لتقوية العلاقة بالمصدر، وشكراً للإعلامي على ما يبذله في إطار التعاون المشترك بينهما. ونبّه إعلاميون من قبول هدايا تتجاوز قيمتها المادية فكرة التكريم، مشدّدين على رفض الحصول على مبالغ مالية وهدايا ثمينة، لأنها تفقد الإعلامي هيبته، وتسيء إلى مؤسسته. واعتبر القانوني المتخصص في شؤون الإعلام في الكويت محمد السبتي أن على المؤسسات الصحافية اعتماد ميثاق شرف صحافي خاص بالمؤسسة، يتعهد فيه المحرر برفض الهدايا، وإبلاغ إدارته مباشرة للتعامل واتخاذ الإجراءات المناسبة، إذ إن الهدايا التي تقدمها مؤسسات وشركات خاصة على شكل مبالغ مالية، مهينة للصحيفة وكيانها. ويدعم مدير قناة دبي الرياضية راشد الأميري الرأي ذاته، إذ تفرض الهدية على الصحافي مجاملة المصدر وتفقده القدرة على مواجهته بالحقائق، خصوصاً إن كان المصدر المسؤول مقصراً في واجباته، لكنه اعتبر الهدايا البسيطة التي تقصد بها المؤسسات تكريم الجهود التي يبذلها الصحافي لتغطية المناشط، تختلف في جوهرها عن مفهوم الرشوة، إذ يقصد بها تغيير المحتوى الإعلامي للخبر. من جانبه، يحذر الكاتب في صحيفة الشرق الأوسط الدكتور محمد بن صقر السلمي من قبول الهدية في توقيت خاطيء، فإن كانت وسيلة لحجب معلومات وتغييرها لصالح أفراد في المؤسسة، فإن ذلك يعني أن الصحافي وقع في المحظور، مذكراً بميثاق الشرف الصحافي وأخلاقيات المهنة التي توجب التقيد بها للحفاظ على بلاط صاحبة الجلالة من مدّعي الصحافة والمتسلقين، الذين يمارسون المهنة بلا مهنية، فأصبحت المآدب والحفلات والهدايا مبتغاهم. ويؤكد مدير تحرير صحيفة الأيام أسامة شقلية أن الصحافي الذي يعشق مهنته ويعمل بشغف لن يقبل هدايا مسيئة إلى سمعته وأخلاقياته ومبادئه وحريته، داعياً مسؤولي المؤسسات الصحافية إلى تأكيد ذلك وتذكير العاملين في غرفة التحرير أن الخبر الصحافي محور السبق، وأن خلاف ذلك يعني انحداراً أخلاقياً لا يتناسب وتوجهات الصحيفة. ويصف المستشار الإعلامي في قناة سكاي نيوز أحمد طفش تقديم الهدايا من قبل المؤسسات للصحافيين بـ «التعبير البديل للرشوة» لتحليل ما هو محرم، موضحاً أن للهداياً دوراً في تزييف الوقائع، وأن الصحافي الحقيقي لا يمكن له قبولها. وتشارك، بحسب طفش، المؤسسات المسؤولية مع الصحافي في فقدانها المصداقية تجاه الصحافي والجمهور، واصفاً الهدية بأنها جريمة في حق الصحافي، خصوصاً إذا ارتفعت قيمتها بشكل يدعو إلى التساؤل. لكن الإعلامية ندى جابر ذهبت إلى القول بأن الهدية المقدمة للصحافي شئ رمزي مقابل جهوده في تغطية المؤسسة المسؤول عنها، وليس بالضرورة أن يترتب عليها إخفاء السلبيات الخاصة بتلك المؤسسة، مشيرة إلى أن المؤسسة الناجحة تتميز بالشفافية والوضوح. وأسبغت جابر صفة «الاجتماعية» على العلاقة بين الصحافي والمؤسسة، مرجعة رفض بعض المؤسسات الصحافية قبول الصحافيين الهدايا إلى السياسة الخاصة بهم. ورفض الباحث الإعلامي في إدارة البحوث والدراسات الاقتصادية تركي بن غانم الغانم قبول الهدايا في العمل الصحافي أياً كان شكلها، ذلك أن الصحافة تنتهج المصداقية والدقة والوضوح، وعلى الصحافي إعلام الجهة التي يعمل بها لاتخاذ الإجراء المناسب حال تقديم هدية له. ويعتبر الكاتب الصحافي محمد الرشيدي الهدايا الهادفة إلى تكريم الصحافيين علناً نوعاً من تحفيز الصحافي، أما الهدايا التي تؤخذ سراً وبطرق ملتوية فهي مسألة مشينة وبعيدة عن أخلاقيات المهنة. وشارك الصحافي مطلق البقمي زملاءه الإعلاميين الرأي، معتبراً قبول الهدايا بأي شكل كان ضرباً من انعدام المصداقية، كونها تؤذي الصحافي وجهة عمله، ورأى أن التكريم العلني أمر جيد، لكنه فضل الجوائز المعنوية كشهادات التكريم والترقيات. وأدرج مدير تحرير صحيفة الخليج محمود حسونة هدايا الجهات الرسمية التي لا ترتجى منها مصلحة شخصية تحت مسمى تكريم الموظف، مفرقاً بينها وبين ما يكون لغايات غير حميدة، إذ تبعد الصحافي عن أخلاقيات مهنته. وأرجع أمين سر اتحاد الصحافيين السودانيين الصحافي الفاتح السيد مسألة قبول الهدايا إلى الضمير الحي للصحافي ذاته، إذ يمثل بوصلته في العمل، لكنه لم يمانع في قبول الهدية في مناسبات معينة على ألا تتكرر. وترى الصحافية زكية محمد أن علاقة الصحافي بمصادره مبنية على الثقة، رافضة تصنيف هدايا المصدر باعتبارها رشى أو ذات مقصد، مرجعة ذلك إلى توطيد العلاقة بينهما عبر فترة طويلة من العمل المضني والشاق، وأن الهدية إذا كانت عامة ولجميع الصحافيين فهي تقديرية ولا نوايا سيئة خفية في ذلك، أما إذا كانت بشكل خاص وفي الخفاء وبقصد نية سيئة فذلك خاطىء حتماً. وأوضحت الصحافية غريس ويتنبرغ أن هذه الثقافة ليست موجودة في المنطقة فقط، وإنما هي موجودة في العالم كله منذ سنوات طويلة، مقللة من أثر الهدايا العينية إذا كانت رمزية، لكن إذا ارتفعت قيمتها ووجهت لأشخاص بأعينهم دون آخرين فإنها تأخذ منحى آخر. ويحمل الصحافي هيثم محمد الصحافي مسؤولية صيانة نفسه والابتعاد بها عن الشبهات، إذ يواجه بسبب طبيعة عمله إغراءات لا تمكنه من قول «لا»، لاسيما وأنه يحصل ـ الصحافي ـ على راتب متواضع لا يتناسب وطبيعة مهنته وأهميتها، مطالباً بعدم إلقاء الملامة على الصحافيين في قبولهم الهدايا من المؤسسات والمصادر.