الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

ثقافة الجذور

الجذر هو الأصل لكل شيء، والجذر في النبات هو الجزء الذي يتشعب في الأرض، ويحصل منه على السوائل اللازمة لغذائه ونموه، والجذر عند اللغويين الأصل الذي تتفرع عنه الكلمات. والجذر في الوطن هو الامتداد لتراب الأرض، وهو العشق المبلل بطين الحياة، هو ذلك الانتماء لرائحة الأجداد الذي ينشأ من عبق ماضي عاداته وقيمه وتتشكل عراقة معانيه من مبادئه وأعرافه، لتصيغ حضارة هذا البلد، فهو الهوية التي تقوم عليها ثقافة المجتمعات، وكلما كان الإنسان معتزاً بانتمائه الثقافي والاجتماعي لهويته كان أقدر على التصدي لأي غزو يهدد كيانه الفكري، ومحتواه المعرفي، وبناءه الحضاري. عندما تسن القوانين والأنظمة على جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية الأساسية للتعاملات والمعاملات كافة، وعندما تقام الندوات والمبادرات في الارتقاء بهذه اللغة وتمكينها من نواحي الحياة كافة، فذلك يعني أن من الأهمية ترسيخ هذه اللغة في نفوس أبنائها، لأن واقع الحياة المعاصر يبين أن هناك خللاً وهناك نوعاً من الاجتثاث لهذه الجذور، وعندما تسخر الدولة كل الإمكانات للارتقاء بنهضة هذا الوطن، وتسن القوانين للمحافظة على لغته العربية العريقة، فذلك يعني الارتقاء بهذا الوطن قلباً وقالباً، وإلا فما جدوى أن ننشئ حضارة مفرغة الجوهر ليس لها انتماء إلا المظهر. إن الاهتمام في أن نولي لغتنا العربية الصدارة في كل شيء هو اهتمام بتخريج جيل يكمل بنيان ما ينتمي إليه أساسه وما يتفرع عنه، فاللغة هي انتماء للجذور، وهي ليست وعاء احتواء لما قد تنبته سيقان البذور. وإنه لمن المؤسف جداً، أن تزخر لغتنا العربية بكم هائل من المترادفات اللغوية، ولا يجد أبناؤنا المعنى الذي يسعفهم في توصيل جملة أو فكرة قصيرة، وكم هو محزن أن نفكر في صنع جيل مجهول الهوية، منسلخ الانتماء، فنحن لا نبني جيلاً للتصدير ولا لغتنا العربية بمنأى عن منهج التحديث والتطوير، ففيها من كل فن وأدب ما يعجز أهل البلاغة وذوي الاختصاص عن التعبير. وعلى كل متشدق بثقافة التغيير أن يعي أن متانة البناء هي الأقوى مع سياسة التطوير، وأن العالم يقف إجلالاً لمن يحافظ على هويته ويفتخر بلغته. [email protected]