الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

مصر .. قراءة في المشهد الانتخابي

لا شك أن الإقبال الكبير من جانب المصريين في الخارج على الإدلاء بأصواتهم لاختيار رئيسهم الجديد حمل في طياته رسائل داخلية وأخرى خارجية كثيرة. فرغم دعاوى البعض لمقاطعة تلك الانتخابات باعتبارها محسومة سلفاً لمرشح بعينه، إلا أن رد المصريين على تلك الدعاوى كان أكثر وعياً وذكاء، حيث حرصوا على المشاركة في هذا الاستحقاق الرئاسي ووقفوا الساعات الطوال أمام سفاراتهم وقنصلياتهم في الخارج باعتبار ذلك واجباً وطنياً وأخلاقياً. ومن يعرف معدن الشعب المصري الأصيل الذي يظهر عادة في وقت الشدائد والمحن يدرك تماماً لماذا حرص المصريون في الخارج على المشاركة بكثافة في هذا العرس الديمقراطي. وفي هذا السياق كان مشهد الطوابير الطويلة للمصريين الواقفين أمام سفاراتهم وقنصلياتهم مألوفاً لمن يعرف طبيعة هذا الشعب، الذي أبى إلا أن يشارك في رسم خريطة مستقبل بلاده ويمارس حقه الأصيل في اختيار رئيسه لأربع سنوات مقبلة، بإرادة حرة وسلوك ديمقراطي سلمي أصيل. ولعل الرسالة الأهم التي بعث بها المصريون أنهم ردوا بصورة عملية وقوية على المشككين في خريطة المستقبل أو المدعين أن الانتخابات محسومة سلفاً، كما مثّل ردهم أيضاً رفضاً قاطعاً للإرهاب وتحدياً له وتصميماً على مواجهته ودحره. أما الرسالة الأخرى فإن سطورها تقول إن المصريين قرروا المبادرة وأخذ ناصية مستقبلهم بأيديهم، وأنهم أصحاب الاختيار الحر في تحديد اتجاهات هذا المستقبل بكل الوسائل السلمية والديمقراطية. ورغم أهمية كل هذه الرسائل، فإن هناك رسالة أهم موجهة للرئيس المقبل ملخصها أن الشعب المصري كان وسيظل دائماً وفياً لدوره، وجاهزاً لتلبية نداء الوطن في كل لحظة، وأنه يعي تماماً كل ما يدور حوله وسيكون في الطليعة دائماً للحفاظ على إرادته ومكتسباته التي حققها بدماء الشهداء، وأن عليه - أي الرئيس - أن يمضي قدماً في إعادة بناء الدولة التي أرادها المصريون عبر ثورتين، وأنهم السند والمدد والقوة الدافعة، وأن عليه أن يشرع في بناء مصر الآمنة الديمقراطية الحديثة التي تنظر إلى الماضي العريق بفخر، وتتطلع إلى المستقبل الزاهر بثقة. أما الرسائل التي بعث بها المصريون للخارج، فإنها تؤكد بجلاء أنهم لن يقبلوا أي صورة من صور التدخل الخارجي في شؤونهم الداخلية، ولن يرضخوا لأي إملاءات خارجية مهما كلفتهم من ثمن إيماناً منهم بأنهم يملكون الآن مقدرات وطنهم ولديهم من الطاقات الإبداعية والإمكانات ما يؤهلهم لوضعه في المكانة التي تليق به. ولا شك أن الانتخابات الحالية تمثل أهمية قصوى بالنسبة لمستقبل مصر، فهناك إجماع على أنها ستشكل خطاً فارقاً بين عهدين، ومن ثم فليس لها مثيل في تاريخ الانتخابات المصرية، فإذا اقتنع الداخل والخارج بأن نتائجها تعبر عن الإرادة الفعلية لشعب مصر، بصرف النظر عن اسم الفائز فيها، فلن يكون لذلك سوى معنى واحد هو أن أرض الكنانة بدأت تضع قدمها أخيراً على الطريق الصحيح لتأسيس دولة عصرية. ولهذا تأتي أهمية المشاركة الكثيفة للمصريين في هذه الانتخابات لدحض كل الدعاوى التي شككت فيها حتى قبل أن تبدأ. وبعبارة أخرى يمكن القول إن المشاركة الكثيفة التي ظهرت جلية في التصويت في الخارج أعطت انطباعاً بأن المصريين في الداخل سيقبلون بصورة كثيفة على هذا الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي إكمال خريطة المستقبل بغض النظر عن اسم الفائز في هذه الانتخابات. ولأن طموحات الشعب المصري كبيرة، فإن العبء سيظل كبيراً على الرئيس المقبل في ترجمة آمال المصريين وطموحاتهم على أرض الواقع بعد أن عانوا الفساد والاستبداد والاعتقال والتعذيب والتزوير وانتهاك الحقوق. لقد عانى الشعب المصري البطالة حتى تحولت إلى ظاهرة خطيرة دخلت كل البيوت، وعانى الأمراض الخطيرة والقتل في أعماق البحار وفوق الطرق وداخل القطارات المتهالكة، وعانى الجوع والعطش والفقر والمرض، وعندما خرج بثورة عظيمة أسقط فيها النظام ورموزه استبشر خيراً بتحسين الأوضاع ولكن لم يتحقق ذلك، فكان من الطبيعي أن يخرج مرة أخرى في الثلاثين من يونيو لتصحيح مسار ثورته. ولاشك أن الشعب المصري يتطلع إلى أن تمضي الانتخابات بصورة ديمقراطية وحقيقية لاختيار رئيسه الجديد الذي يستطيع تحقيق أحلامه وطموحاته، ويحقق له الأمن والأمان والعدالة الاجتماعية، ويقضي على البطالة ويكافح الفقر والجوع والعطش والمرض والفساد، فهل يحقق الرئيس المقبل كل هذه الطموحات؟ [email protected]