الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

مبالغات السير الذاتية

معظم السير الذاتية لا تخلو من المبالغات والتهويل وضخ صيغ التفخيم فيها بالكيلو، هناك نوع من الصهللة و«النفش» الزائف على الورق حين يُعطى الإنسان الفرصة للكتابة عن نفسه، وهو غالباً لن يبخل على ذاته بإضافة بعض التوابل الأدبية والعلمية والخبرات القادرة على رفع رصيد تأهله للمكان الذي قرر أن ينضم إليه، ولذا فلا عجب حين ترى السير الذاتية التي يدونها البعض مكتظة أحياناً بنرجسية مفرطة لا توازي حجم كاتبها الطبيعي. في المجال المهني على وجه الخصوص فإن بعض الشركات لديها عدد من خبراء الموارد البشرية الذين يمتلكون القدرة على التأكد من إمكاناتك من خلال إجراء مقابلات العمل الروتينية، هناك فعلاً من في وسعه أن يستوثق من معلوماتك المغلوطة التي دسستها في السيرة ويوقعك في المصيدة. في مشهد ظريف من فيلم «مذكرات الروم» يقدم فيه الأديب بول كامب سيرته الذاتية لمدير العمل فيتلقى السخرية منه على فقرة إجادته اللغة الإسبانية التي لا يجيد منها حرفاً في الواقع، ينظر إليه المدير نظرة مليئة بالسخرية وإيحاء بفهم الحبكة كاملة ثم يقول في تذمر:«هذه السير الذاتية مليئة بالتفاهات، إنها زائفة مثل قصصك». في المقابل فقد يتحصل التفخيم في السير من جهة شخص آخر قرر أن يقوم بالمهمة نيابة عن صاحبها على سبيل النفاق، فمثلاً يمكننا أن نلحظ مستوى المبالغة الفجة في السير الذاتية المتناولة درامياً والتي لم تخل من عقدة التقدير المتجاوز الحد للشخصية والمعالجة غير الموضوعية، لا تتعرض تلك الأعمال الدرامية لملامح الشخصية الحقيقية كما في المسلسل الذي تناول حياة «الشحرورة»، إنها تحاول عمداً أن تسقط من حساباتها الجوانب المظلمة في حياة الشخصية لتعرضها على مجتمع ناضج يستطيع أن يتحسس كمّ المبالغة في العمل، على عكس ما يقدم كسيَر ذاتية درامية غربية حيث يتم استعراض ملامح حياة الشخصية بإخفاقاتها والتماعاتها ما أمكن دونما فلترة تخلص بها إلى الملائكية، هناك فيلم تناول مرة حياة بيتهوفن وقدم الرجل للمشاهد بمساوئه وعبقريته في خلطة درامية مذهلة ومقنعة. أذكر أنني قرأت تقريراً علمياً من مجلة «أمريكان ساينتيفيك» يؤكد أن الناس يقضون في العادة ٦٠ في المئة من أحاديثهم حول أنفسهم لأن هذا الأمر يشعرهم بالارتياح، هذه الأحاديث قد يتخللها تكلف ثقيل، وكل هذا يحدث تلقائياً ومن غير مناسبة، فما بالك لو كان التكلم عن النفس متطلباً دراسي أو مهنياً؟ فبإمكانك طبعاً تصور المردود المُفرِط وتوقع حدوثه، ولهذا السبب تعترض الويكيبيديا في معاييرها لتدوين السير الذاتية على أن يكتب الشخص سيرته بنفسه لأن هذا يؤثر سلباً على الحيادية والوثوقية، الإنسان لا شعورياً ربما سينحاز لذاته بصورة إيجابية، ويكيبيديا لم تغفل هذه النقطة السيكولوجية المهمة كي لا تخفّض من مستوى أمانة المعلومات الواردة فيها، على أن هذا لا يعني دقة كل ما لديها بالحرف الواحد، لكنها تحاول.