الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

شركات العلاقات العامة تجمّل الواقع والصحافة تعرِيه

تحول الدور التكاملي بين الصحافة وشركات العلاقات العامة إلى دور اتكالي يزداد نموه بازدياد عدد الدخلاء على مهنة الصحافة من غير ممتهنيها. وفرّق الإعلامي المصري حمدي قنديل بين دور الصحافة التي تسعى إلى رصد واقع حقيقي، وبين شركات العلاقات العامة التي تختلف معها في الأهداف والتوجهات، فتسوّق ما يتناسب وتوجهات عملائها، منوهاً بالفرق بين الرصد والواقع، إذ يؤدي الرصد في بعض حالاته إلى الاشتباك أو الاصطدام، بعكس التنسيق والتعاون اللذين يسمان بناء العلاقة من قبل شركات العلاقات العامة، لكن هذا لا يمنع إيجاد بعد إيجابي في العلاقة بين الصحافي وهذه الشركات. ونبّه قنديل الصحافيين إلى ضرورة الحرص على الاستقلالية في تناول القضايا، وعدم الانجراف إلى صحافة التسويق إرضاء للعميل، لئلا يخسر صحيفته. فيما حذر الكاتب الصحافي السعودي الدكتور عبدالله الكعيد من التدهور الكبير في الوسط الصحافي بسبب تنازل وسائل الإعلام عن المهنية، وترك المحررين ممن يستخدمون البيانات الصحافية الصادرة عن شركات العلاقات العامة في صياغة أخبارهم، بالرغم من علمهم المسبق بأن هذه البيانات تهدف إلى تلميع الجهات التي تنتمي إليها، وتفرض محتواها الإعلامي وحتى أسلوب صياغة المادة الصحافية بعيداً عن الطرق الحديثة لاستقطاب القارئ، ما يهدد بشكل غير مباشر علاقة القارئ بالصحيفة الورقية. ولم يقلل الكعيد من أهمية شركات العلاقات العامة غير أن تبني الخبر دون البحث والتحري وغياب المقارنة يسيء إلى الوسيلة الإعلامية ومصداقيتها، وبناء على ذلك فإن جزءاً من منظومة المصداقية يعتمد على التعامل مع البيان الصحافي بالشك الذي يستوجب التدقيق. ويدعم الكاتب الصحافي البحريني محمد العبيدلي هذا الرأي، ويرى أن أحد أبرز أسباب الانحدار في المهنية الصحافية هو اعتماد المحررين على البيانات الصحافية بل تجاوز ذلك والتجرؤ على نسبة هذه البيانات لأسمائهم. وحمل العبيدلي إدارات التحرير المسؤولية عن ذلك خصوصاً أن بعضها يسمح باحتلال البيانات الصحافية مساحات كبيرة على حساب المواد الخاصة بالصحيفة، إلى جانب عدم محاسبة المحررين ممن ينسبون البيانات الصحافية لأنفسهم، موضحاً أن أحد أهم الأسباب التي دفعت الجمهور إلى التخلي عن الصحف الورقية هو التشابه الكبير في المحتوى، ما يستفز القارئ إلى البحث عن معلومات مختلفة ودفعه إلى التعامل مع وسائل أخرى، بالرغم من محاذير تحيط بتلك المعلومات لعدم مصداقيتها. وأقرّ الصحافي المصري رضا هلال بأن شركات العلاقات العامة تعدّت على عمل الصحافي الحقيقي وحقه في مقابلة المسؤولين ومواجهتهم، ولم يعد بالإمكان التخلي بشكل نهائي عن البيانات، في ضوء اعتماد المؤسسات الحكومية والخاصة على إطلاق أخبارها بواسطتها، خصوصاً أن مهمة شركات العلاقات العامة الترويج والدعاية، ما يخالف عمل الصحافي الشغوف بمعرفة الحقيقة والبحث عن معلومات متميزة ينفرد بها. من جانبه، اتهم المستشار الإعلامي محمد النخبشونجي شركات العلاقات العامة بصناعتها جداراً بين الصحافي والمؤسسات والمصادر، واصفاً ذلك بالأزمة التي تضع الصحافي في قالب جامد لا يستطع عبره تقديم رسالته، فالصحافة مرآة للمجتمع والصحافي من يظهر الحقائق عبر المرآة، لكن بوجود شركات العلاقات العامة تُحدد المعلومة من المصدر، لأن الشركة لا تكتفي بتنظيم وصول المعلومة وإنما توجيهها على النحو الذي تريده، وعادة ما تعتمد شركات العلاقات العامة على التسويق لا طرح قضايا صحافية مهمة. ويرى نقيب الصحافيين المصريين ضياء رشوان أن شركات العلاقات العامة وظفت للتعريف بالمنشآت أو الأفراد، ويرتكز عملها الأساس على إبراز النواحي الإيجابية فقط، وتلميع هذه الجهات، لكن انطلاقاً من مبدأ الدعاية والترويج، وبذلك تقوم هذه الشركات بتوفير وقت وجهد كبير على الصحافي للحصول على المعلومة. ويبرز، وفقاً لرشوان، دور الصحافي هنا، إذ يتوجب عليه تحري الحقيقة والتأكد من المعلومة، والبحث عن معلومات أخرى توثق أو ترفد المواد الصحافية بشفافية ومهنية. ويلمح رشوان إلى أن هذه الشركات تمتلك تأثيراً سلبياً على مهنة الصحافة يفوق تأثيرها الإيجابي، حيث أضعفت هذه الشركات من مهنية الصحافيين ومصداقيتهم أيضاً، واستسهل بعض الصحافيين الحصول على المعلومات المرسلة من قبلها، وأصبحنا اليوم نقرأ مواد صحافية ملونة بالدعاية والترويج، وأهداف المؤسسات وشركات العلاقات العامة، بعيداً عن رسم صورة حقيقية للواقع والتعلم منها. الصحافي محمد مصطفى يرى من جهته أن صحافي اليوم يعمل وفقاً لما يصله من مواد صحافية جاهزة من شركات العلاقات العامة ثم يعدل المواد وعناوينها، ما يقتل الإبداع الصحافي، والابتكار والإحساس بمسؤولية البحث عن المعلومة وتقديم الواقع إلى القارئ، متحولاً إلى موظف ينسخ ويلصق. وتؤمن الصحافية سناء عوض بأن شركات العلاقات العامة تساعد الصحافي بشكل كبير، وتوفر عليه الكثير من الوقت والجهد، بل وتقدم له تسهيلات ـ أحياناً ـ الوصول إلى المصادر، والحصول على ما يريد من معلومات، إلا أن بعضها بالمقابل يعرقل الوصول للمصدر.