الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

عن حِرفة التلفيق .. والمغالاة وغيرها (2)

وتعريجاً على مقال أمس فحِيل الإعلام الذي يقدم ذاته صراحة أو توارياً كإعلام غير نزيه لا تنتهي، في كثير من الأحيان يتم الاعتماد على حيلة المغالطات المنطقية وتوظيف عبارات مقنعة وإن كانت غير سليمة أو واقعية، وبنفس مسار الطريقة (ألفا وجاما) التي قام بها أحد أساتذة سيكولوجية الإعلان ونشرتها الإيكونومست، والتي ذكر فيها أن هناك طريقتين للإقناع بأي بضاعة، وإن كانت رديئة، الطريقة (ألفا) التي تقوم على ترغيبك وتصديقك لجودة السلعة، والطريقة (جاما) التي تقوم على إزالة مقاومتك لها، الإغراء بالمادة الإعلامية ثم الإغراق الذي يستلب المقاومة من المتلقي يتم استهلاكه على مستوى إعلامي. وأيضاً لا تكف بعض وسائل الإعلام عن استخدام نظرية Euphemism ببراعة، أو التلطيف من حدة المصطلحات والأخبار وانتزاع الألغام منها لتبدو مقبولة ومستساغة، كثيراً ما سمعنا مثلاً استبدال لفظة الإرهابي بـ «الجهادي»، وأعمال الشغب والعنف التي تهدد الأمن بـ «الحراك السلمي» ... إلخ. ثم إن هناك ولعاً عاماً باستراتيجية (التكرار)، حين تُكثر تلك الوسائل من تسلسل بعض المواد ونشرها بانتظام وبخبث مهما كانت صادمة وتحوي تجديفاً غير مقبول، لكن الصدمة عند المتابع تتحول إلى اشمئزاز عادي، والاشمئزاز بدوره يتحول إلى دهشة، والدهشة تتحول إلى لا مبالاة في وجود الإصرار على التكرار، وبالتالي لا تُحدث تلك الأخبار أو الآراء أي انفعال مع مرور الوقت. لا تخلو تلك الأدوات أيضاً من الانتهازية لتمرير بعض الأفكار تحت رداء أسماء لامعة تسندها، والدعوة للاحتشاد مع القطيع والاتحاد مع رأي الأغلبية وتحفيز الاستنكار والتنميط وادعاء الموضوعية وقابلية نشر آراء مختلف الاتجاهات، بينما يتم تغييب بعضها قسراً واستبعاد وجوده من مسرح الأحداث، في كتاب الدكتور الباحث ذياب الطائي عن أساليب التضليل الإعلامي يحكي الكاتب عن حيلة أخرى تسمى النقل من مصدر غير متخصص، كالنقل الإعلامي من المواطنين العاديين عن طريق ما يتم التقاطه بأجهزتهم المحمولة وتداوله في الشبكات ومن ثم يتم اعتماده كخبر رسمي في وسيلة إعلامية كبيرة دون توثيق أو تدقيق. ازدياد الحراك السياسي والاجتماعي في المنطقة العربية هذه الأيام وحساسية دور الإعلام في تعيين مسارات الصراع وفق رؤى خاصة والزوغان بحواس المتلقي بعيداً عما حدث حقيقة وعملية ترجيح الكفة لصالح قوة أو جهة ما على حساب أخرى من خلال طريقة نقل وتداول الخبر يلفت إلى أهمية اتخاذ إجراءات وتوجهات ترفع مستوى الوعي الجماهيري بمسائل وإشكالات إعلامية أخلاقية وفنية وتقنية وتستعرض أساليب التضليل التي من الممكن أن يقع فيها الناس. صحيح أنه لا يمكن حصر كافة الأساليب لتزاحمها وكثرتها، لكن رصد بعضها يوقظ الوعي الجماهيري ويمهد للمزيد من الاستقصاء والحذر.