السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الوعي الاجتماعي حارسٌ ضد الشائعات والأكاذيب

في زمن الفوضى والأحداث المربكة التي يضجّ بها الشارع العربي، تجد الأكاذيب بيئة خصبة للنمو والتكاثر، فما بين الشائعات المتعلقة برجال السياسة والإعلام، والشائعات حول الأمراض والأوبئة، وصولاً إلى الكذبات الصغيرة التي تصنع جحيماً يُبث بين العائلة الواحدة والأصدقاء. وإن اختلفت أضرارها، أو حجم الأثر الذي تتركه، ومهما وقفت النيات الإيجابية خلف مطلقي الشائعات وناقليها، تظل النتائج السوداوية التي تسببها الشائعات أكبر من اعتبارها طرفة عابرة، أو تسلية يمكن الاستخفاف بنتائجها، ومهما اختلفت النتيجة، أو تفاوت الضرر الناجم عنها، تظل الشائعة موضع قلق وإرباك يرتفع أحياناً ليبلغ مداه الأقصى في الأثر الأمني، وينخفض حتى يُكتفى بانزعاج الشخص المتعرض للشائعة، فإن ما يبقى منها يظلّ مستمراً، خصوصاً في زمن الاتصال السريع والتواصل عبر الشبكات الاجتماعية والمعلومة الآنية التي تنتشر انتشار النار في الهشيم. «الرؤية» عرضت الأمر من جوانب عدة، فتناولت الأمني والديني والنفسي والتوعوي، للوقوف على ما تتسبب فيه الشائعات، وما يمكن أن يتعرض له أصحابها. 10 سنوات سجناً و250 ألفاً غرامة بانتظار مروجي الشائعات حذرت القيادة العامة لشرطة دبي من بث الشائعات ونشر الأخبار غير الموثوقة لما تنتجه من بلبلة، وانعكاسات سلبية على نواحٍ اقتصادية واجتماعية وثقافية، إذ يمكن للجناة ـ بضغطة زر ـ إثارة الفوضى بين المقيمين على أرض الدولة، فضلاً عن ابتزاز الناس والاحتيال عليهم. وأوضح لـ «الرؤية» مدير إدارة المباحث الإلكترونية في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي المقدم سعيد الهاجري أن بعض الشائعات تحدث مشكلات أسرية وضرراً كبيراً على سمعة الناس وتجارتهم ومشاريعهم، مفيداً بأن القانون يجيز تحريك دعوى للمطالبة بالتعويض لمن أصابه ضرر نتيجة اتهامه كيدياً أو كذباً، حال ثبوت كذب البلاغ. وأشار الهاجري إلى أن عقوبة السجن عشر سنوات تنتظر مروجي الشائعات التي تمس أمن الدولة، لافتاً إلى أن التشريعات وحدها لا تكفي لمكافحة الجريمة الإلكترونية، لكن 90 في المئة من سبل المكافحة تعتمد على التوعية الحكومية والشعبية، مرجعاً خطورة هذا النوع من الجرائم إلى ارتكابها من قبل أشخاص مجهولي الهوية، مشيراً إلى أن إدارة المباحث الإلكترونية اتخذت إجراءات عدة لمكافحة هذا النوع من الجرائم، بدأت بتسيير دوريات ميدانية بين المنازل والمناطق السكنية لضبط مختلسي الشبكات اللاسلكية، فضلاً عن التفتيش على محال ومقاهي الإنترنت. وألمح الهاجري إلى أن المشاهير أكثر عرضة لتداول الشائعات عنهم كونها تنتشر بسرعة فائقة، فتسري المعلومة الكاذبة بسرعة بين الناس والإعلام، وتظل مؤكدةً حتى يثبت العكس، ما يتسبب بضرر من تستهدفه، لكن الشائعات الأكثر خطورة هي الشائعات الاقتصادية، لما تتسبب فيه من خسارة تبلغ الملايين، كما تضر بسمعة بعض الشركات بشكل سلبي. ولفت الهاجري إلى أن المادة رقم «5» من قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2012، حددت عقوبة الحبس لمدة تصل إلى عشر سنوات، وغرامة مالية تصل إلى ربع مليون درهم، ضد كل من يقوم ـ إلكترونياً ـ بإطلاق شائعات تمس أمن الدولة، أو الحياة الخاصة، وخصوصاً أن أثر الشائعة قد يدفع المجني عليهم إلى الانتحار أحياناً. وأردف مدير إدارة المباحث الإلكترونية أن المادة 275 من قانون العقوبات الاتحادي تنص على معاقبة مقدّم البلاغ الكاذب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن ـ ولا تتجاوز ـ ثلاثة آلاف درهم، متضمنة البلاغات الوهمية عن حوادث أو أخطاء ثبت عدم وجودها، أو الإبلاغ عن ارتكاب جريمة يعلم أنها لم ترتكب، فيما تشير المادة 276 من قانون العقوبات إلى العقوبة بالحبس أو الغرامة أو بإحدى العقوبتين ضد كل من أبلغ كذباً أو أساء النية للسلطة القضائية أو الجهات الإدارية بارتكاب ما يوجب العقوبة جنائياً أو المجازاة الإدارية. وأشار الهاجري إلى أن القيادة العامة لشرطة دبي تتطور مع تطوّر الجريمة نفسها، وتستطيع القضاء على هذا النوع من الجرائم، مشيراً إلى أن القيادة أحبطت الكثير من الشائعات المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها من الجرائم الإلكترونية عن طريق الملاحقة والقبض على المتهمين وتقديمهم للقضاء. وذكر الهاجري أن وسائل التواصل الاجتماعي مثل «تويتر، وفيسبوك، وبلاك بيري» أسهمت في انتشار شائعات تحدث ذعراً عند البعض، ما يصنف الشائعة باعتبارها بلاغاً كاذباً، وخصوصاً في ظل إصرار البعض على الانتقام من الآخرين، مؤكداً تسجيل بلاغات بهذا الخصوص لدى الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، لافتاً إلى انتشار بعض الشائعات عن وجود عصابات، أو رفع أسعار السلع، ووجود عطور مخدرة، وغيرها مما يحدث بلبلة بين المواطنين والمقيمين على أرض الدولة ويصيب عائلات برمتها. وتحدث الهاجري عن شائعات من نوع آخر، تخسر بموجبها شركات كبرى مبالغ تصل إلى ملايين الدراهم، فضلاً عن شائعات الانتقام، والبلاغات الكاذبة الواردة عن اتجار أشخاص في المواد المخدرة أو تعاطيها، ثم يكشف من خلال التحريات وجود خلافات بين صاحب البلاغ ومالك العقار الذي يقطنه، فيتقدم ببلاغ كيدي ضد مالك العقار للانتقام منه. الكبيسي: فسادٌ فاجتنبوه أفاد الشيخ الدكتور أحمد الكبيسي بأن المسلم الذي يعمل على نقل الشائعات أو يسعى في ذلك آثم، مستشهداً بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم «إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً، يهوي بها سبعين خريفاً في النار». وأوضح الكبيسي أن ما يترتب على الشائعة ضرر، سواء كان الآخر المتضرر شخصاً أو حاكماً أو دولة أو عشيرة، مرجحاً سمتي الكذب والفساد على الشائعة بالقياس إلى أثرها الإيجابي، ما يضر بالمصالح وينشر بين الناس الفتن والفساد، والتشكيك في النفوس. وشدّد الكبيسي على تجنب إطلاق أو تداول الشائعات ما لم يكن بيد من ينقلها دليل واضح وصريح على صحة نقله، ولا سيما في الأوضاع الراهنة التي تواجهها الدول العربية. مناشط تثقيفية تضع حلولاً للقضاء على الشائعات نبّهت شرطة رأس الخيمة إلى الآثار السلبية الناتجة من ترويج الشائعات وتداولها عبر تقنيات التواصل الاجتماعي التي أصبحت في متناول الجميع، مشددة على ضرورة خلق الوعي لدى فئات المجتمع لمواجهتها. ونفذت شرطة رأس الخيمة عدداً من المناشط التثقيفية والتوعوية في هذا الشأن، استضافت فيها عدداً من القيادات الأمنية المتخصصة. وطرح العقيد الدكتور جاسم خليل ميرزا (شرطة دبي) خلال مشاركته في ندوة عقدت في رأس الخيمة حول «أثر ترويج الشائعات عبر تقنيات التواصل الاجتماعي»، طرقاً تبيّن كيفية التصدي لفتنة الشائعات ووضع الحلول اللازمة لها، مع إبراز أهمية دور الشرطة والأمن في القضاء على الشائعات التي تسعى إلى تضليل الجمهور بتشويش المعلومة وتزوير الحقيقة، ما يؤدي إلى نشوب فتيل فتنة يؤثر بشكل سلبي في اتجاهات الأفراد، فيتحول المجتمع متفككاً وضعيفاً، هش الملامح وسهل التغيير. وأوضح مدير فرع التوعية والإعلام المروري بإدارة المرور والدوريات في شرطة رأس الخيمة المقدم أحمد الصم النقبي وجود حاجة ماسة لرفع مستوى الوعي بخطورة الشائعات في المجتمع، والوقوف على أثرها السلبي، ودور وسائل الاتصال الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي في توسيع مدى الشائعات والعمل على زيادة صداها الترويجي الملفق، حيث أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي في متناول الجميع وأكثر انتشاراً، إثر تحول العالم إلى قرية صغيرة نتيجة لتكنولوجيا الاتصال الحديثة. وأشار مدير إدارة التوعية الأمنية في شرطة دبي إلى أثر ترويج الشائعة في المجتمع ومخاطره العديدة، منها نشر الفتن والفساد وتخريب المجتمع. وشدد الصم على ضرورة نشر الوعي بين الطلاب والمؤسسات من أخطار الشائعات في المجتمع، مشيراً إلى أنه لوحظ انتشار الشائعات وسرعة تداولها بين أفراد المجتمع وخاصة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفاً أن الشائعات قد تدور حول أمور صحية مثل انتشار بعض الأوبئة والأمراض، ما يؤدي إلى بث الرعب والخوف بين أفراد المجتمع. من جهتها، تناولت ناعمة الحبسي (فريق الوعي السلوكي في مدرسة نورة بنت سلطان للتعليم الثانوي للبنات برأس الخيمة) الضرورة الماسة لنشر الوعي بين مختلف الفئات بخطورة الشائعات، وخاصة لدى الطلاب الذين تعمل الدولة على تثقيفهم وتعليمهم ومدهم بالمعارف اللازمة وإعدادهم لتحمل المسؤولية. الإعجاب بالمشاهير يدفع إلى الكذب وانتحال الشخصية أدرج، في حديثه لـ «الرؤية»، المحامي محمد الخاجة الشائعات ضمن البلاغات الكاذبة التي يعاقب عليها القانون الإماراتي، بسجن مطلقها لمدة تصل إلى عشر سنوات، مشيراً إلى أن المشرّع لاحظ استخدام المجرمين لوسائل الاتصال الحديثة، لا سيما من يحاولون التخفي بأسماء مستعارة لعدم كشف هوياتهم الحقيقية. وأوضح الخاجة أحقية من أصابه ضرر نتيجة اتهامه كذباً أو كيدياً برفع دعوى ومطالبة بالتعويض، حيث يعاقب بالحبس والغرامة من يبلغ السلطة القضائية كذباً أو بسوء نية وبشكل كيدي عن ارتكاب شخص آخر لجرم لم يرتكبه، منوهاً بأن الجهات المختصة في الدولة واكبت التطور التكنولوجي، وطوعته لمساعدتها، فواجهت مجرمي التكنولوجيا على أنواعهم بالتكنولوجيا ذاتها، التي تشهد على ما تقترفه أيديهم. من جهته، فسّر أخصائي الأمراض النفسية الدكتور محمد خليفة سرعة تصديق الإشاعات وعدم تنقيحها أو التقصي حول صحتها بميل الطبيعة الإنسانية إلى من يفوقها ثقافة ودراية، وتصديق ما يقرؤه بالمقارنة بما يسمعه من الآخرين. وربط خليفة الأسباب ذاتها بتقدم التكنولوجيا ووسائل التواصل وما بات يُقرأ على الشاشة، بدعوى شعور غريزي بأن المثقفين هم من يكتبون ويحتلون الشاشات كما احتلوا مساحات الكتب سابقاً، ولأن هناك خلطاً بين المواقع الإخبارية التي تقف خلفها مؤسسات إعلامية، وبين صفحة ينشئها أي شخص، معتبراً انتشار العلم والوعي، وزيادة نسبة التعلم في مجتمعاتنا، وتمكن أي شخص من كتابة ما يحلو له على الإنترنت، أفقد هذه التقنيات هالتها، ما يسهم في تخفيض نسبة تصديق المنشور. ووفقاً للأخصائي النفسي فإنه يجب التفريق بين من يروج لإشاعات على سبيل الدعابة أو ليثبت لنفسه أنه شخص مؤثر في الآخرين، وبين من يصطاد في الماء العكر، ويحاول الإساءة لأشخاص أو حتى مجموعات معينة لغاية مرضية في نفسه اتجاههم، معتبراً أن التفريق في النوايا بين الطرفين لا يعني بالضرورة اختلافاً في النتائج بينهما، فكثير من الكوارث - حتى الاجتماعية منها ما لا تتعدى نتائجه الأسرة الواحدة - كان بسبب اللهو والترويح عن النفس. وبيّن خليفة ارتباط نشر الشائعات بظاهرة طبية مهمة في علم النفس هي ظاهرة انتحال شخصيات المشاهير، حيث يرجع الهدف في أغلب الحالات إلى تماهي المنتحل وذوبانه افتراضياً في شخصية نجم مشهور يحبه، عبر سعادته بتعليقات وتسجيل إعجاب المتابعين لما يقوله هو على لسان نجمه، مشدداً في الوقت ذاته على خطورة هذا التصرف.