الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

التربية الصالحة

لا تسرفوا في تلبية مطالب الرفاهية للأبناء فيملوا ويسأموا فإذا سئموا ساء خلقهم وارتفع صوتهم .. الترف: هو التنعم، والمترف من كان منعم البدن مدللاً، وهو الذي قد أبطرته النعمة وسعة العيش. وأَترفته النعمة أي أطغته، وهو: الـمتنعم الـمتوسع في ملاذ الدنيا وشهواتها. يقول الراغب الأصفهاني: الترف: التوسع في النعمة. قال الله تعالى: «وأترفناهم في الحياة الدنيا» (المؤمنون/33). وقال تعالى: «واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه» (هود/116). ويتساءل الآباء والأمهات لماذا هم ساخطون ونحن لرغباتهم ملبون؟ والجواب: لأنكم حرمتموهم من لذة الكد والسعي إلى تحقيق الأهداف، فصارت الحياة بلا طعم ولا معنى لأنكم حرمتموهم من لذة العطف على الفقراء والإيثار، فصارت النفوس جافة قاسية لأنكم حرمتموهم من لذة العلم والإيمان فخربت القلوب. ولا شك أن الترف أفسد بعض أبنائنا، فوجدنا فينا من يتفاخر يقول: أنا لا أجعل ابني في احتياج إلى شيء أبداً فأنا ألبي له جميع طلباته ورغباته. ومثل هذا يظن أنه أحسن إلى ولده، وأنا أعرف أن العاطفة لها دخل كبير في هذا، بل من لايستطيع أن يفعل ذلك يظل مهموماً بهذه الرغبات من الأولاد والتي لا يستطيع أن يلبيها لهم، والحقيقة أن هذا ليس من التربية في شيء، فأنت بذلك تفسد الولد، إننا نفتقد الحكمة في التربية، نفتقد التربية الإيمانية الصحيحة لأولادنا. لماذا لا تربي ولدك منذ البداية على أن يتعلق بالله، فإذا طلب شيئاً مفيداً ولم تستطع أن تجيبه فقل له: هيا يا بني نصلي ركعتين وندعو الله فيهما، فإن الله هو الرزاق، وهو ربنا المدبر لأمورنا، فإذا لم يمنحنا المال الذي أستطيع به أن آتيك بما تريد، فاعلم أنَّ هذا ليس مفيداً لنا الآن؛ لأن الله صرفه عنا. فتعلمه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»، وليس من التربية أن تلبي جميع متطلبات أولادك فينشأ الواحد منهم عبد شهواته، كلما تاقت نفسه إلى شيء طلبه فإنه إن لم يجده سيسرق ويخون من أجل أن يحقق ما يشتهي. إن لابنك حقاً أعظم من الدنيا، وهو أن تعلمه كيف ينجو من النار، اللهم نجنا وأولادنا من النار. قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون « [التحريم / 6 ] الجيل المنشود نحتاج فيه إلى صفات الرجولة، وأخرج الإمام أحمد في مسنده والبيهقي في سننه وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2668) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين». وهذا محمول على المبالغة في التنعم والمداومة على قصده، وذلك لأنَّ التنعم بالمباح ـ وإن كان جائزاً ـ لكنه يوجب الأنس به، ويخشى من غائلته من نحو بطر وأشر ومداهنة وتجاوز إلى مكروه ونحو ذلك، والتنعم بالمباح خطر عظيم لأنه يورث المرء ارتياحاً إلى الدنيا وركوناً إليها، ويبعده عن الخوف الذي هو جناح المؤمن. والشدة هي التي تصنع الرجال، وترويض النفوس يحتاج إلى زجرها وترغيبها على حد سواء، أمَّا أن تعطيها كل شيء، أو تلبي لولدك جميع طلباته فقد وكلته إلى نفسه، فاللهم يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. فإنَّه من المهم للغاية أن تتربى أجيالنا على تحمل المشاق، وبذل الوسع في طلب الآخرة، وقد قالت العرب قديماً: وعند الصباح يحمد القوم السُّري. غيروا سياسة التربية غيروا فكرة لا أريد أن يشعر ابني بأنه محروم من شيء.. واجعل حياة ابنك - ابنتك - مليئة بالأهداف، والحركة، والسعي لنفع الناس، علمه أن قيمته في نفعه لغيره.. وليس في قيمة الهاتف الذى يمتلكه، والسيارة التي يركبها، وماركة الملابس والنظارة..قيمته في تزكيته لنفسه بالعلم النافع والعمل الصالح والخلق القويم..قيمته في عبادته لربه وبره بأمه وأبيه وإحسانه لجاره. نريد تغييراً في مفاهيم المادية والاستهلاكية والتنافس على الترف..لا تحرص على اكتشاف الآخرين أكثر من اللازم، الأفضل أن تكتفي بالخير الذي يظهرونه في وجهك دائماً، واترك الخفايا لرب العباد. (لو اطّلَعَ الناس على ما في قلوب بعضهم بعضاً لما تصافحوا إلا بالسيوف) لعمر بن الخطاب.