الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

ضرورة المنظومة الاجتماعية

 يميل بعض الفلاسفة إلى توكيد أن المجتمعات ما هي إلا وسائل ضغط على الأفراد، وأن تلك التي نسميها قيماً اجتماعية وأنظمة وقوانين لم تخلق إلا للحد من حرية الأفراد وتكبيلهم بصورة تجعل من الممكن السيطرة عليهم، ولعل أكثر من امتثل هذا الرأي هو الفيلسوف الروسي صاحب النزعة الفوضوية «باكونين» الذي ظل يؤمن بأن قيادة الجنس البشري إلى ساحات الحرية لا تكون إلا باستبعاد مبدأ السلطة من حياة الناس، وعلى رأسها الدولة والقيادة الاجتماعية، كما أننا نجد هذا الرأي لدى مناصري الاشتراكية في صراعهم ضد المجتمع البورجوازي ولدى بعض المثقفين الجدد. لكن في الواقع فإن وجود الفرد ضمن إطار اجتماعي لا يحد دائماً من حرياته، خصوصاً في المجتمعات الديمقراطية، ويصبح فيها دور المجتمع مساعدة الأفراد على إبراز قدراتهم ومواهبهم وممارسة حقهم وافياً في الحياة، ومن هنا كان لبعض الفلاسفة الآخرين رأي مضاد للأول من حيث إن المجتمع يضمن للناس حرياتهم الفردية، خصوصاً المدنية منها في ظل القانون، وليست تلك القوانين والقيم التي تحكم الأفراد لينخرطوا في المنظومة الاجتماعية إلا عدداً من الأطر لحماية الحريات الفردية داخل المجتمع، ومنع التعدي على حقوق وحريات الغير. الناس يختلفون في نظرتهم للحرية من مكان إلى آخر باختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية، لكن أسلم نظرة إلى الحرية هي التي تقوم على مبدأ أن يتمتع الإنسان بحريته مع مراعاة حرية الآخرين ما دام يعيش معهم في محيط واحد، وقد جاء في المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان «يخضع الفرد في ممارسة حقوقه وحرياته للقيود التي يعينها القانون»، والهدف من الالتزام بالقانون ليس إلا ضمان الاعتراف بحقوق الغير واحترام حرياتهم وتحقيق ما يقتضيه النظام الاجتماعي العام من شروط عادلة. صحيح أن بعض المجتمعات تضيق على أفرادها لأسباب دينية أو سياسية أو لأعراف قديمة ما زالوا محكومين بها، وثمة قوانين ظالمة وتعسفية لا تخدم الصالح العام لدى بعض المجتمعات، لكن تجاوز هذه الأخطاء لا يتم بنسف المنظومة الاجتماعية ككل والمطالبة بتفكيكها من باب منح الحقوق، بل يتم ببعض التعديلات على تلك القوانين والقيم كي تراعي مصلحة الجميع.