السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الغيرة في العمل .. سلبية أم إيجابية

الغيرة والحسد صفتان قديمتان قِدم التاريخ، ومتداولتان منذ آلاف السنين، وخير شاهدٍ عليها قصة النبي يوسف عليه السلام والتي نعلمها جميعاً من خلال قراءة وتفسير سورة يوسف في قرآننا الكريم. والغيرة هي انفعال مركّب، يجمع بين حب التملّك والشعور بالغضب نحو الآخرين الأكثر تحقيقاً للإنجازات مما ينجم عنها في بعض الأحيان التشهير بالآخرين أو مضايقتهم أو تخريب أعمالهم، مع المصاحبة الدائمة بمظهر اللامبالاة أو شدة الحساسية، وبالتالي فقدان الدافعية للعمل الإيجابي المطلوب. فبالرغم من تقسيم العلماء والمتخصصين الغيرة لنوعين رئيسين، أحدهما الإيجابي والآخر السلبي، إلا أنني أراها ومن تجربة خاصة وأكيدة، تحمل الطابع السلبي دائماً، لأنها تُمزق وحدة الصف وتشتّت الجهود وتنتج البغض والمشاحنة بين الزملاء، وإذا تفاقمت أكثر يمكن أن تتحول إلى مرضٍ مستفحل وخطير يصعب علاجه وتكثر رواسبه. ويُشار دائماً إلى الأسباب الحقيقية وراء هذه السلبية، إلى قصور عمل الإدارة المشرفة على العمل، والتي نجدها مثلاً تبالغ في مدح أداء موظف معين وتجاهل الآخرين ممن قد يكونون أفضل وأكثر تحصيلاً للعلم والشهادات العليا، أو إهمال الإدارة لعنصر المتابعة الفعّالة والتوجيه، والتي تضمن هي الأخرى احترام وجهات النظر المختلفة بين الجميع، وبالتالي تقبّل النقد البنّاء. ومع عودة ذاكرتي قليلاً إلى الوراء، يحضر إلى ذهني بعض الصور الغريبة، والتي يتصدرها مشهد سكوت الجميع عن الكلام وهروب البعض أحياناً، لدى دخول أحد الزملاء إلى غرفة العمل المكتظة أصلاً تحضيراً لمرافعة في قضيّة ما، أو انتظار حلول موعد قضية أخرى، أو لتحقيق الراحة النفسية والجسدية بعد عدة مرافعات، وليبدأ معها هذا الشخص بعملية الثرثرة والتنقل بين الزملاء لإمطارهم بسفاسف الأحاديث أو الولوج إلى خصوصيات تافهة ومملّة تحقق التنافر بين الأصدقاء لكسب ود البعض ومعرفة جميع أسرارهم ضمن العمل وخارجه، نتيجة غيرته منهم لنجاحهم في حياتهم العملية والاجتماعية. لذلك فإنني أرى أن السبيل الوحيد في كيفيّة التعامل مع هذه النماذج الشاذة هو التحلي بالحكمة وعدم إثارة الحساسيّات، والتواصل معهم باحترام وحذر شديدين، والمبادرة إلى مشاركتهم في مختلف الأنشطة وخصوصاً الاجتماعية منها، مما يُقلّل من حدّة التعامل والجفاء، وعدم التباهي بإنجازٍ ما يخصّهم، لكون العمل أولاً وأخيراً هو إرضاء للذات والطموح الخاص. محامية