السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

مثقفون (بينهم بين)

يستخسر بعض المثقفين من كبار السن الذين انخرطوا في معترك الحياة وعرفوا الكثير من الأمور أن تُنقل تلك المعرفة إلى جيل الشباب عن طريق احتوائهم ومخاطبتهم بما يفهمونه، والاحتكاك المباشر بهم، وتحويل كامل الحمولة الفكرية التنويرية من عقولهم إلى عقولهم بالأساليب التي يفقهون. وبدلاً من ذلك، نرى هؤلاء المثقفين مهمومين بفتح الحوارات والجدل مع بعضهم بعضاً من المرحلة العمرية ذاتها عبر شبكات التواصل أو غيرها، وملء المساحات بكلمات وتعابير لا يعرف مغزاها الشباب ولا يطمح كذلك لأن يعرفه طالما كل هذه الخبرة والمعرفة الممزوجة بحكمة السنين وتراكمات التجارب وآلاف الكتب غير موجهة إليه ولا تتكلم لغتهم المبسطة الخفيفة العصرية، إنما موجهة خصيصاً لمثقف مسن آخر من جيل المثقف الأول نفسه تحكي لغته ولا تدل لأي درب إلا دربه، وبهذا فإن الشاب لا يبالي بكل هذه المناورات والمداورات الثقافية لأنه وكما يقول أورويل «لا يرى فارقاً بين هراء وهراء آخر»، خصوصاً إذا ما علم أنه غير معني بالأمر. بعد أن بلغ من العمر مبلغاً عتياً يقف المثقف على مشروع يتمثل في تصفية حسابات خاصة مع أترابه (بينهم بين) أو ينغمس في محاولات مضنية لإقناعهم بما لديه أو انتقاد ما في أيديهم وفتح النار على من يخالفه الرأي منهم، وأحياناً قد يستعمل بعضاً من الشباب المثقف قليلاً والطامح للدخول في المنظومة الفكرية كمجرد أدوات مساعدة يرشق بها هذا أو ذاك أو يجمع له أدلة ما تدين الخصم من جيله نفسه، أو لكي يُكثر له من التصفيق والتطبيل. إلى ماذا ستوصل مثل هذه الجهود التي تختار أن تفرغ شحناتها في الموضع الخطأ وبداخل بعضها بعضاً فيما تتجاهل من هو بحاجة حقيقية لتعبئته بتلك الطاقة ومن يُفترض أن يكون المستهدف الأول لكونه في طريقه لأن يحل محلهم ويمسك بالراية على المستويات الوطنية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها. لماذا لا يمنح المثقفون الكبار الشباب بعض وقتهم وجهدهم وينطلقون معهم في الحوارات بلغة مبسطة وأقرب إلى أذهانهم والعمل على نشر ثقافتهم وخبراتهم وأفكارهم المستنيرة لهم والعناية بعقولهم وينشغلون بها عما هم غارقون فيه من التحديات الطفولية ومحاولات إثبات الذات أمام زملائهم؟ هذا زمن اختلفت فيه الأشياء وهذه الأمور قد انقضى وقتها باجتيازهم لمراحل عمرية معينة ولم يعد مجدياً العمل عليها الآن وكل ما يلزمهم اليوم هو الالتفات بجدية لفئة الشباب المستفيدة الأولى من هذه السجالات والحوارات وتسليمهم الميدان. بعض المثقفين يتطلعون إلى الشباب بريبة واضحة أو باستخفاف كبير رغم أنهم الوسط الاستهلاكي الأهم لأفكارهم والأكثر استعداداً للتلقي وقواد لجيلهم ومحركون له، لكنهم حينما يرون تجاهلاً أو احتقاراً لهم فلن يبادلوه إلا بتجاهل واحتقار مماثلين.