الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

حادثة اللمبة الحمراء

العمالة المنزلية شرّ لابد منه شئنا أم أبينا، نبقى بحاجة لخدمات الفئات المساعدة ولأسباب عدة، منها طول ساعات العمل والظروف المعيشية الضاغطة، وعلينا أن نتحمل أوزارهم وتبعات هذه الخدمات، إذا ما قدمت الأذى لنا في لحظات غفلتنا. فلا توجد عائلة إماراتية أو غير إماراتية لم تلدغ في عقر دارها من العمالة المنزلية، وتكبدت خسائر معنوية قبل المادية، وعضّت أصابع الندم على ثقة منحتها لمن لا يستحقها. قبل ثماني سنوات تقريباً، كانت تعمل في بيتنا عاملتان منزليتان من الجنسية الفلبينية، واحدة مسلمة والثانية مسيحية، استأسدت المسلمة ذات الخبرة الطويلة على زميلتها الصغيرة التي تعمل لأول مرة خارج حدود جغرافيتها. بقيت الكبيرة تحفر للصغيرة وتقسو عليها، حتى اتخذنا قراراً بترحيل الكبيرة، بالرغم من أنها «هابّة ريح» ونظيفة ومدبرة، إلا أن «وغادتها» وعصبيتها جعلتنا نستغني عن خدماتها، ونكتفي بالصغيرة الجديدة، نعلمها ونربيها على أيدينا كما اقترحت والدتي. في بعض أعمال البيت كنا نستعين بمتخصص لإنجازها، مثل أعمال السباكة، غسيل قطع السجاد، كي الملابس ذات الأقمشة الحساسة، وغيرها، رأفةً بالعاملة ولمنحها الوقت الكافي للراحة، رغم أننا عائلة غير متطلبة على الإطلاق، ومن تلك المهام تنظيف ثريات السقف وتبديل مصابيحها، اتفقنا مع عامل كهربائيات على أن يتكفل بتنظيفها مرة شهرياً أو عند الحاجة. كان قد مضى على وجود العاملة الصغيرة سنتان، وجددنا لها نزولاً عند رغبتها، وذات يوم قررنا فيه الذهاب إلى دبي والمبيت ليلة واحدة لمراجعة عيادة خاصة، وتركنا العاملة في البيت، قلنا:خليها تأخذ راحتها المسكينة وترتاح منّا «شوية»، المهم، رحنا للموعد وتعشينا، بعدها غيّرنا رأينا وأقفلنا عائدين لأبوظبي في الليلة نفسها. وصلنا البيت نحو الساعة 12:30 تقريباً، دخلنا البيت بلا جلبة خوفاً من أن نُقلق نومها، سمعنا همساً غير عادي يتهادى من غرفتها، تسحّب أخي إلى الغرفة فوجد عامل الكهربائيات مع العاملة المنزلية الصغيرة، كانت الإضاءة الجانبية لسريرها حمراء عوضاً عن العادية. تفاجأت بعودتنا مثلما تفاجأنا بها وبصنيعها، فقال لها: «نورما، شو يسوي هذا هني؟ ردت بصوت يرتعش: بابا هو يجي يبدّل لمبة بس»! من بعدها، وعند استقدام أي عاملة منزلية لبيتنا، أصبحنا نتعامل معها كقنبلة موقوتة بغض النظر عن سلوكها وملامحها، كما قررنا كإجراء وقائي تحويل بيتنا لمنطقة شبه عسكرية محظورة على الغرباء، تحسباً للعبث باللغم المزروع بيننا، فمثلاً، يُحظر على العاملة فتح باب البيت بوجودنا، وقطع «فتيل» السائق بإقصاء مكان سكنه بعيداً عن البيت. أيضاً يحظر اقتراب عامل السوبرماركت، عامل محل كيّ الملابس، مندوبي شركات الشحن، «دريولية» أصحابنا والمعارف، نحاول ألا يحصل أي تماس إلى أن ينتهي عقدها وتمضي فترة خدمتها على خير، ومن ثم تسريحها لوطنها معززة مكرمة عفيفة. [email protected]