الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

إمساك العصا

نعم، أمسك بالعصا، وكادت أن تسقط من يديه، وبحركة دائرية غريبة تتلمس ألعاب وألاعيب (خفة اليد)، سرعان ما أمسك بها في الوسط، وبدأت العصا تروح بين يديه وتنداح مشكلة دائرة هلامية، لا تظهر تبيانها ولا حتى شكلها الحقيقي كأنها قطعة من سحر ساحر، وبين الفينة والأخرى لا يستطاع تمييز تلك الحركات الدائرة في فلك محوري منظم لا يحيد قيد أنملة في مهارة وحذق وخفة لا يستطاع ملاحظتها، حتى (الكاميرات) ذات الجودة العالية والتي تصل قوة ودقة التصوير من 15 عشرة إلى عشرين (ميغا بيكسل) أو تزيد ربما إلى حد ما بعد تعريض اللقطات إلى متخصصين وصانعي أفلام تأخذهم الدهشة والحيرة والارتباك عن حقبة تلك العصا والتي شكلت دائرة تنداح في بهوها ومحورها. اندهش الحاضرون وحملقوا بتلك الخفة الوديعة، واستشعروا دقة وحسن انتقال العصا بين اليدين، اليد اليمنى إلى اليد الشمال، خصوصاً أن الإمساك بالعصا تبلور وظهر جلياً.. إمساك متوازن وحركات بهلوان، وفن لا يستهان به.. بيد أن العصا لم ولنْ تلمس لا من الرأس ولا من العقب، أي من كلا الطرفين، إنها أعجوبة وفن راق لعوب امتاز به، وأصبح يشار إليه بالبنان (ها هو من يمسك العصا من الوسط). آه، يا لحال البسطاء، ويا لحال الذين لا ينظرون إلى الحدث من أول وهلة. نعم، لا يرون الحقيقة كما هي عليها، ولا ينظرون إلى الألاعيب على أشكالها وألوانها ومساراتها، ضرب من الفن الاستعراضي، بهرجة وتصفيق وإعجاب وقتي في حينه. هؤلاء المساكين قد فاتهم ما يرمي إليه ذاك اللعوب العصي الهوى الممسك بالعصا، مرائي النيات، تلك العصا التي ناور الحاضرين في جنباتها واستحوذ على بصائرهم في تقلباتها ودورانها وتقوقعها الانفرادي المحوري. قد جعلت إبصارهم لا ترى إلا تلك الدائرة المحورية سريعة الدوران، وتناسوا ما يرمي إليه ذاك اللعوب. بلى تستمر تلك الدوامة في سلب وجلب جمهور بعد جمهور، منهم من يصفق، ومنهم من يهز رأسه ومن يومئ بعضلات الوجه إعجاباً وانبهاراً واشمئزازاً، العصا الدائرية بلغت منتهاها، وتجلت في حركات وسكنات الموجودين على اختلاف أعمارهم وأشكالهم، وإن هي إلا لحظات حتى تجمدت العصا في اليد، وسرعان ما توقف الضجيج العجيج، وإذ تحط العصا رحالها في مقبض اليد، ثم ما لبث أن رفعها عالياً، ونظر شزراً إلى الملتفين حول الحدث، منهم من خاف، ومنهم أخذته رعدة ومنهم من تسمر في مكانه ومنهم من تخطى الوقوف راجعاً القهقرى، حتى ماج المحلقون ببعضهم البعض، وإذ بلمح البصر، أمسك بالعصا من الطرف الآخر، وهكذا صار لدينا معادلة ثلاثية من ثلاث مراحل. المرحلة الأولى: من الوسط والمرحلة الثانية من قبضة اليدين والمرحلة الثالثة الأخيرة من العقب. بيد أن المرحلة الأخيرة جاءت وغلب عليها البهتان والانكفاء، وكأن السر قد انكشف للجمهور حتى صاح أحدهم عصاك في نحرك، عصاك في رأسك، قهقهات وضحكات ملأت المكان، فما كان من العاصي صاحب العصا إلا الانكفاء والسقوط أرضاً لولا أن تدارك جبلة الدهاء والذكاء الذي جبل عليها، وإذ به يرقص فرحاً منتشياً والعصا ممسوكة بكلتا اليدين في الوسط ومع الطبول والفرقعات والرقصات البهلوانية والحركات الهلامية، ظل الجمهور يصفق بإعجاب وانبهار، حتى انفض الجمع، ولسان الحال يعتمل رأسه صائحاً مردداً بينه وبين نفسه (إمساك العصا من الوسط يرضي جميع الأطراف). محمد عوض الجشي