الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

أحاديث العشيات

يحلّ المساء بجوّه الساحر العبق بشذا الريحان والياسمين، وبنسيماته العليلة، ويبدأ التجمّع العائلي بالبدء بطقوسه اليومية التي لا يُملّ من تكرارها، والتي قد تُخترَق بزوار جدد، وبما يُقدّم من مأكولات وفواكه وخضراوات تتناسب مع فصل الصيف، ويتخلّلها الأحاديث بدءاً من مشاغل الحياة اليومية، إلى أمور أوسع وأبعد؛ اجتماعية وسياسية، وتراثية، وذكريات، والجميع مصغ ٍباهتمام، وتمضي الساعات بدون أن يحسّ بها، وعندما تقترب السهرة من نهايتها، يحين موعد الترتيب للنوم في المكان ذاته بعد رفع ما يعيق ما يُنام عليه، ليأخذ كل مكانه، تحت سماء صافية تتلألأ فيها نجومها والتي يحاول بعض الصغار ممن لم ينم بعد عدّ ما يستطيع منها، وليتفاخر بمن هو بجانبه بأنه أحصى من النجوم عدداً أكثر منه، والبعض الآخر ممن هو أكبر سناً قد يتحدّث مع من ينام بقربه بصوت أقرب للهمس مكملاً حديثاً ما. 2 - هل تدرين بأنك قد أثرت شجوني بذكريات أحسست بأننا قد نسيناها، والآن، تقريباً كأننا فقدناها! ما رأيك لو تذكّرينا بسهرة شتوية؟ - حسناً، هذه جوّها يختلف تماماً عما سبق، باعتبار أن شتاءنا بارد، تؤخذ الاحتياطات اللازمة في كل بيت، وليصبح البيت محكم الإغلاق أمام هجمات البرد، وتكون الجِلسة في صالة البيت الذي تتوسطه مدفأة أو قد تكون بزاوية الصالة، لتتيح المجال لحرية الحركة، وترى الجميع يحاول أن يحتل موقعاً قريباً منها، وحدّث عن هدير نارها وزمجرته المحببة إلى النفس التي تبعث الدفء في كل من يتحلّق حولها، أما موقعة الكستناء التي ساحتها سطح المدفأة، فحدث ولا حرج عن تلك الحبات المتراقصة التي لا تهدأ فوق ذلك السطح الملتهب، ولا تدري متى تحدث فرقعة ثم تبدأ رحلة التطاير لبعضها، لتتسابق الأيدي لتلقّفها وتقشيرها رغم حرارتها، ولتلتهم بشهية والأفواه غير مغلقة من الحرارة، وخذ من التعليقات والضحك ما يعطي السهرة نكهة لا تعوّض، ويترافق مع هذه الموقعة المميزة تناول الشاي.. والمواقف أكثر من أن تُعدّ، أيام لا تنسى! 3 - أما الآن، لاحظ، كيف تغيّرت الأمور، وحتى أنماط الحياة الاجتماعية والعلاقات الأسرية! ولو حدث لقاء أسري، هل يجتمع الجميع؟ وهل يتبادلون الأحاديث بالحميمية والاهتمام الذي عشناه نحن؟ أم أن هناك ما يشغلهم؟ يبدو أن للحياة الحديثة وتطوراتها مستلزمات مختلفة قلباً وقالباً عمّا كان سابقاً مما وسمها بطابعه المختلف سابقاً! - نعم، لكل جيل وزمان أخلاقه وعاداته، لكن، ما أجملك يا ذاك الزمان! (العنوان مقتبس من أعمال الأديب الكبير عبدالسلام العجيلي).