الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

غراب "حدس"

عندما تنظر من مختلف الزوايا ستجد أن الصورة واحدة والمعنى واحد، ولكن الأثر قد يكون صادماً لمن أراد أن يحدث ضجيجاً مفتعلاً بمزيج من الحقد والغباء. تلك الإساءات التي صدرت عن عناصر إخوانية ليست بجديدة، ولم تكن مستغربة لكونها صدرت من شخصيات تنتمي لتيار وفكر وبيئة حزبية مقيتة اتخذت من التصنيف الشرعي والفكري والاجتماعي للآخر عقيدة ومنهجاً، فإن وافقتني فأنت مسلم صحيح الإسلام، وأنت شخصية متزنة وفذة، وإن عارضتني فأنت محارب للإسلام ولكل ما ينتمي له، هذا المنطق الذي بالتأكيد يعرفه الكثير ولا يختلف في نبذه إلا من كان له هوى ومصلحة تحركه وتقوده للتصفيق لهذا الشذوذ. عندما أعود بالذاكرة إلى تلك الأيام أثناء قضية التنظيم السري ومحاكمته وما بعدها، أتذكر تلك الأصوات النابحة والتي كان همها الأول التشويه وتهييج الرأي العام وتزييف الحقائق لإثبات الخطأ وطمس الحقيقة، وكان من ضمن تلك الجوقة التي كانت تغني بنشاز معتوه (حدس) عناصر إخوانية .. مثلوا لسنوات طويلة برلمانات كان من المفترض أن تربيهم سياسياً وإعلامياً قبل أن يكون الإسلام الذي اتخذته حركته شعاراً لها هو المربي له والموجه لأقواله وأفعاله، ولكن الأقنعة والألوان لا يمكن أن تحول طعم الـ «عدس» إلى فراولة، فالجوهر والمضمون سيكون هو المحسوس. الجميع يتذكر قصة ذلك الملف وتلك الأسماء التي تم تقديمها بوصفها داعمة مالياً وإعلامياً وفكرياً للتنظيم السري في دولة الإمارات، والجميع يعلم أن معظمهم من تلك الحركة التي اعتقد أعضاؤها أن طريقهم للحكم ممهد في دولهم وسيكون مفروشاً بالورود بعد أن أطلقوا بطريقة مباشرة وغير مباشرة الحراك الشعبي معتمدين على العواطف القبلية والدينية بالإضافة إلى تحريكهم باتجاه المواجهة الحقيقية مع الحكومة وقادوا المتهورين في الشوارع إلى فوضى لم يسبق لها مثيل. لعل نجاح قيادتهم المركزية في مصر وقتها واستيلاء تنظيم الأخوان على الحكم هناك كان ملهماً ودافعاً لهم لإكمال المسار وتهييج الشارع الخليجي بأكمله، وكان الدعم الخارجي حاضراً سواء الإعلامي أو المادي، والكل يعلم من أين ولماذا. كل ذلك انتهى، وكل ذلك تلاشى واختفت ملامح طموحاتهم، ولم يبقَ سوى البكاء على أطلال حلم ولد مشوهاً .. فماذا حدث اليوم؟ ولماذا أرادوا تمرير مثل هذه الإساءات أو إعادة طرح تلك الأفكار؟ وما المبرر لإدخال دولة الإمارات وقيادتها في صراعات سياسية حزبية داخلية؟ ولماذا يريدون إشعال فتنة سياسية أخرى بعد أن طويت صفحة ذلك الخلاف الخليجي وتمت المصالحة بحكمة قياداتنا في الخليج؟ لا أعتقد أن أمثال هؤلاء أو من يقف وراءهم تهمهم مصالح أو مستقبل أو يفكرون في وحدة خليجية لمواجهة عدو مشترك أو تحقيق نجاح مشترك، وذلك لسبب بسيط هو أن من يحركهم ومن قادهم ومن زرع أهدافهم وسقاها أيادٍ وفكر خارج هذه المنظومة سياسياً وتاريخياً وفكرياً .. قيادة أهدافها تصاغ بعيداً عن أبناء الخليج، فشلت في تونس وفي مصر وفي ليبيا، وتريد اليوم أن تعيد إطلاق شرارة الفتنة من جديد وبشكل جديد .. وهنا أقول: من وقف في أوج النجاح الذي حققه هذا التنظيم العفن سابقاً وأسقط أصنامهم وأحرق جميع أوراقهم لن يقف عاجزاً أمام ما تبقى من غربانهم، ولن يتوانى عن سحقهم وإسكات نعيقهم إلى الأبد.