الثلاثاء - 19 مارس 2024
الثلاثاء - 19 مارس 2024

القرار الصعب والخيار الأصعب

دون استعراض لإحصاءات معدلات الطلاق والزواج في الدولة، هناك حقيقة واضحة هي أن نسبة الإقبال على الزواج منخفضة جداً في عموم إمارات الدولة، باستثناء مناطق بقيت شبه خالية من هذه الظاهرة، ربما بحكم النسيج الاجتماعي المترابط الذي يجمعها مثل المنطقة الغربية، ومدينة العين، والمدن السكنية التي تقع بين إمارة أبوظبي ومدينة العين، وكلما ابتعدنا عن مركز المدينة تلاشت ظاهرة غلاء المهور وتكاليف الزواج وارتفاع نسبة المواليد، لأن سكان تلك المناطق، وكما خبرتهم منذ صغري، مترابطون ويتعارفون وتسقط بينهم الكثير من شكليات مراسم الزواج. مع تلك الاستثناءات، تبقى قضية عزوف الشباب المواطن عن الارتباط بفتاة مواطنة أمراً واقعاً وعائقاً يخل بالتركيبة السكانية في الإمارات. قبل أيام قليلة التقيت صدفة بفتاة عربية تعمل في محل تجاري، اختفت فجأة، ومن ثم جمعتنا الصدفة في مكان عام، كانت ترتدي العباءة والشيلة على غير عادتها، وتتقافز من محياها أمارات السعادة، فأخبرتني عن سر غيابها بأنها قد تزوجت شاباً مواطناً لم يسبق له الزواج، وعزت تكتمها على الموضوع إلى أنها لم تقم حفلة زفاف وقايضت مصاريف الحفل بقضاء شهر عسل مع زوجها. مَن مِن بناتنا اليوم تتنازل عن حفلة زفاف في فندق خمس نجوم أو أكثر؟ أو تتخلى عن حزمة شروط كتصميم كوشة بتوقيع مصمم «كوَش» وحفلات عالمي، وتصوير بانورامي، وفستان يصمم خصيصاً لها لترتديه لليلة واحدة تكلفته توازي ثمن شقة سكنية محترمة؟ أي أسرة تُقدم معاني الرجل على إمكانياته المادية ومزاياه الأخلاقية، وتجلس معه مجالس الرجال لتتحرى زوجاً يليق بابنتهم، يسعدها ويكرمها طوال العمر، مقابل الاستغناء عن شكليات خدّاعة، معنية برضا الناس وليست معنية بشأن الفتاة وسعادتها الزوجية؟ وهنا، لا أُبرر للشاب المواطن لجوءه للارتباط بأجنبية، كما لا أعفيه من مسؤوليته تجاه مجتمعه، بمعنى ألا نُجهّز الذرائع عند أول تجربة فاشلة للارتباط، دون خوض محاولات للحصول على شريكة مواطنة تليق به وبظروفه، فمن المظاهر المؤلمة جداً أن أصادف شاباً مواطناً يجر خلفه زوجته الآسيوية بخادمتها الآسيوية أيضاً تقود أطفاله المهجنين. في جلسات المجلس الوطني الأخيرة تم تبني توصية بتشكيل لجنة عليا لتشجيع الشباب على زواج المواطنين من مواطنات، كما أفضت نقاشات الأعضاء ونتائج استطلاع آراء العديد من المواطنين قامت به صحيفة الإمارات اليوم في تلك القضية، على أن الفتاة الإماراتية غير مفقودة، ولكن قناعات الأسر وإسرافها وتركيزها على الشكليات المكلفة، هو سبب عزوف معظم الشباب عن الارتباط بها. الوعي بالمشكلة نصف حلها، ومهما تدخلت الدولة لإيجاد حلول جذرية لتشجيع الشباب على الزواج تبقَ قائمة بسبب مغالاة الأسر في طلباتها، لذلك نعوّل على وعي الفتاة نفسها بإقناع أهلها بطلباتها هي، والاقتداء بوعي وقناعات تلك الفتاة العربية التي ظفرت بشاب إماراتي مستوفٍ للشروط، لتفوّت الفرصة على الكثير من الفتيات الإماراتيات اللواتي ما عاد يطرق أبوابهن أحد!