الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

ظلام أبيض

تتلمّسه، كانت كفوفه باردةً كبوظتها التي اعتادت تناولها ذات صيف، وعيناهُ بيضاوين كنرجستها التي كانت تعتني بها ذاتَ شُرفة، تشعر بوخزةٍ في أطرافِ أناملها، ثمّ في معصمها وهو يقبض عليهما كقيد، ثمّ في صدرها وهو يحاول عناقها بشدّة كمشتاق، ثم في رجليها وهي تحاول الفرار من شغفه المباغت، ولكن هيهات. تحاول البكاء، ولكن الدمع لا يجد طريقه الدافئ إلى جفنيها، أصبحت تتلوّن دون أن تعضهّا بعوضةٌ باللون الأحمر، ثمّ ما يلبث اللونُ قليلاً حتى يغيّر جلدته إلى الأزرق الباهت، القريب من البنفسجي، ودونَ أي أثرٍ لغرغرينةٍ أو ألمٍ يحيله إلى هذا على جسدها النحيل الصغير الغض. صرخت في وجهه ليبتعد، وليتوقف عن ملء الأماكن حولها، وحول عائلتها، صرخت، وأثناء نظرها إلى الدخان البارد المتصاعد مع صرختها من جوفها، حاولت التقيؤ، لعلّ هناك ناراً في صدرها، قد تستطيع إخراجها لتخيفه، لتلوّح بها أمامه وخلفه ومن كل جانب، فينثني عن التدفق والهطول بهذا الشكل المرعب. علقت قدماها في المكان، كان يمسكها بسماكة أطرافه المتنامية تحتها كجيوش بيضاء صغيرة ولكنها قوية جدّاً، التحرك أصبح يحتاج إلى حربٍ بين أصابعها وهذه الجيوش الصغيرة، لكنها بدأت تفقد الإحساس بأصابعها كذلك، تنفث فيهما قليلاً من النار التي في جوفها، تعود للحرب مرةً أخرى، تنتصر على الميمنة والميسرة، وتخطو إلى الأمام، خطوةً، ثم تعدو شيئاً يسيراً، ثم تبتعد ملتصقةً بالخيمة القريبة، خيمتها. لا تستطيع رؤية الأماكن سوى بيضاء، تتساءل في نفسها، هل هذا هو الضباب؟ تجيب: كلا، كان الضباب خفيفاً ذات صباح، وثقيلاً، ولكن لم تتلون به الأشياء، تتساءل: إذن هو الظلام، أليس كذلك؟ لا أستطيع الرؤية الآن، أرى كل شيءٍ أبيض، كأعمى، ربّما، لا نستطيع النظر في الظلام، هذا ظلامٌ أبيض. ترفع يديها إلى السماء: اللهم إني أسألك صبحاً قريباً. (من مذكرات طفلة من أطفال الخيام، تدخل في الثلج لأول مرة بعد التشريد، حيث لم يسبق لها أن خرجت من دفء المنزل في شتاءاتها السابقة الصغيرة). [email protected]