الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

ما تحدثه الصدمة

لفيرجينيا وولف قصة قصيرة بعنوان «شقيقة شكسبير المتخيلة»، التي تحب المسرح كشقيقها شكسبير، لكنها تنتهي أخيراً منتحرة في الوقت الذي كان فيه شكسبير في قمة مجده، لأن المحيط العام في ذلك الوقت لم يتعامل مع موهبتهما بالإنصاف ذاته، ففي الحين الذي سطع فيه نجم شكسبير كما تقول القصة، مدعوماً بتمجيد المجتمع لموهبته الفذة، قوبل شغف شقيقته بالتمثيل المسرحي بالرفض، ومحاولات المنع وكل أشكال الاستغلال، حتى انتهت منتحرة في شارع مجهول بعد يأس عميق أعقب كل السبل التي سلكتها لتحقيق مجدها الخاص على غرار شقيقها الخالد شكسبير. هذه القصة الصادمة التي قدمتها وولف، في الوقت الذي كانت تقوم فيه بتدريس مجموعة من الشابات، وعلى الرغم من حدتها الشديدة في وقتها، أرادت أن تنير الطالبات بمدى القسوة التي قد يبادرهن بها المحيط العام، في حال قررن خوض غمار البحث عن بصمات متفردة في هذا العالم .. لقد أرادت بصدمتها التي صنعتها تلك أن تخلق شكلاً من أشكال الوعي لدى الفتيات اليافعات .. وعي، قد نسميه مجازاً هنا «وعي الصدمة». إن شكلاً من أشكال ذلك الوعي السالف الذكر، يؤكد أن عملية صناعة الوعي إنما هي في أصلها صناعة شاقة محفوفة بالمخاطر، لأن الأمر في المجتمعات التي تسير على النسق الجمعي لا يكون مرتبطاً بتأسيس فردي للشخص على وعي منفصل في سن يافع يضمن ليونة انسياب الأفكار، ومرونته في قبولها، وإنما يكون عمقه من محاولة إطلاق شرارة مباغتة قد يظنك الآخر من خلالها تهاجم مملكته شبه الواعية، فيبادر هو لرد ذلك بهجوم من نوع أشد عنفاً أحياناً من تلك الشرارة التي حاولت بها أنت أن تشعل الشمعة .. الأمر الذي قد يدفع للتساؤل عن جدوى الطريقة تلك في إثارة الوعي .. والحقيقة أن ذلك يعيدني إلى تأمل عبارة لميشيل فوكو يؤكد فيها أن «المُغير / المثقف» يجب عليه ألا يتوقف ليخبر الآخرين بالأمر الذي يتوجب عليهم فعله بشكل مباشر، بقدر ما قد يظهر الأمر على أنه عملية تراكم لمجموعة ومضات يتغير فيها الطرفان على حد سواء .. لكن في ظل السرعة التي يتحول ويتحرك بها العالم، إلى أي مدى قد يبادر ذلك الوعي بالتكون بشكل صحيح، قبل الآخر العكسي سريع التكون؟ .. مما يعيدنا مرة أخرى إلى فكرة وعي الصدمة ذاك وجدواه أو ضرورته بالأحرى؟ هناك من يقدم ذلك النوع من الوعي، بدرجة الذكاء نفسها التي قدمتها فرجينيا وولف في قصتها تلك .. لتجد أنه على الرغم من ذلك الهجوم المؤسف الذي يتعرض له الشخص هناك ومضات سريعة تنتشر وأسئلة حقيقية تتكون فتنفي ذلك الوعي القديم والمغلوط .. تتفاءل وأنت ترى من يقف إلى جانبك مثيراً ذلك النوع من الوعي مؤكداً فكرته وداعماً إياها بمرونة .. مرونة مساندة الفكرة، لا الشخص الذي قد يحيلنا لجبهات متقابلة، هذا النوع من الوعي يساعد في إثارة درجة أعمق من البحث لاحقاً. على الجانب الآخر، هناك من يعمل على هذا النوع من الوعي ليجعلك تتساءل عن ضرورة أن تكون الشخصية التي تحفر في مجرى الوعي على الدرجة ذاتها من النضج والمقدرة على التأثير .. ففي مجتمعات تتناول السطح بدرجة عالية من الحساسية قبل العمق .. يجب أن يتم البحث عن الدرجة المعرفية للشخص وكيفية تقديمها بحذر، لا يسطح من درجة الوعي تلك .. بحيث يتم التركيز هنا بشكل فعلي على القاعدة المعرفية لما يقدمه الشخص، والذي يدرك إلى أين يتجه في سعيه بذكاء .. فهل كل شخص مؤهل بشكل كامل وفعلي لتقديم كل ما يرتبط بصدمة المجتمع الأولية؟ لحثه على السعي نحو ما بعد ذلك، أم هو مجرد إثارة للغط مبهم يحيلنا هنا إلى تلك الجبهات المخيفة بين معارضين ومريدين، لا بين مناقشين لاختلاف واتفاق على مستوى الفكرة نفسها .. فهنا لا يكفي إيمانك بأي قضية فقط لتكون ممثلاً كاملاً، بل تتبقى هناك مساحات أكبر من إدراكك لحيثيات خدمتها وإبرازها، بطريقة شجاعة نعم، لكنها تبقى مرتكزة على الإدراك والفهم العميق بالدرجة الأولى حتى تصل الرسالة. [email protected]