الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

الطقوس الإلزامية

إذا كنت مدخناً فلا تعوّد نفسك شرب السيجارة الصباحية الأولى مع فنجان من القهوة وأنت تقرأ الصحف اليومية، فإنك إذا ما قررت يوماً الإقلاع عن التدخين قد تضطر حينها إلى الابتعاد عن القهوة لأنها تذكرك بالسجائر، وقد تضطر أيضاً إلى ترك قراءة الصحف التي ستفقد متعتها من غير فنجان من القهوة. كذلك الذي لا يستطيع سماع الموسيقى الجيدة إلا في الليل وسط هدوء تام داخل البيت وخارجه، والجلوس على أريكة مريحة مغمضاً عينيه مشترطاً أن يكون الطقس قليل البرودة، فحينها سيكون صعباً جداً على هذا الشخص التمتع بالموسيقى وهو يقود السيارة في طريق سفر. أحياناً نصعّب على أنفسنا التمتع بالأشياء الجميلة من حولنا لأننا نريدها على النحو الأمثل، فنقوم بربطها بطقوس أخرى قد تزيدها جمالاً حال توفرها، لكنها ستفقدنا القدرة على الاستمتاع بها إذا ما تعذر توافر كل تلك الطقوس المحيطة بعاداتنا الجيدة، وكذلك الحال بالنسبة للعادات السيئة التي قد نجعلها مرتبطة بطقوس جيدة، فإن فكرنا في الإقلاع عن تلك العادة السيئة فإننا سنضطر إلى ترك كل ما قد يذكرنا بها أو يعيدنا إليها، وإن كانت هذه الأشياء جيدة ومفيدة. إحدى الصديقات تخبرني بحبها للقراءة، لكنها اعتادت أن تقرأ وهي مستلقية على شقّها الأيمن والكتاب أسفل منها واضعة يدها أسفل أذنها، ومستنداً إليها، لكن بعد اكتشافها أنها تعاني انقراصاً في فقرات الرقبة لديها إذ منعها الأطباء من هذه الجلسة لم تعد تستطيع القراءة كالسابق؛ وتقول إنها فقدت الكثير من متعة القراءة حين لم تعد قادرة على الاستلقاء والكتاب بجوارها. جميل أن نقوم بما يمتعنا على النحو الأمثل، وجميل أكثر أن نعتاده، لا سيما إن كان فعلاً محموداً نافعاً، لكن السيئ أن نجعله مرتبطاً بطقوس وأحوال وأوضاع وأشخاص وأشياء أخرى، لا يصلح من غير وجودها، فحينها لن نستطيع التمتع بسهولة بهذا الأمر إن لم تصحبه جميع تلك العوامل التي تجعله كما نريد، فنصعّب بذلك على أنفسنا التمتع بالجمال وذلك عبر الإكثار من شروطنا.