الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

هل أنت حي؟

بعض الأسئلة غريبة في ظاهرها، منطقية في جوهرها، منها هذا السؤال: هل أنت حي؟ أدرك مسبقاً أن المفهوم اللغوي للموت هو مفارقة الروح للجسد، ولكن ألا يوجد مفهوم آخر للموت؟ من مثل أن تبقى الروح في الجسد، ولكن الإنسان في حقيقته يكون معدوم القيمة؟ يقول شوقي في واحدة من أجمل من قصائده «الناس صنفان، موتى في حياتهم، وآخرون ببطن الأرض أحياء»، لو تأملنا هذا البيت سنجد أنه يُلمح إلى وجود موت آخر للإنسان، غير ذلك الذي نعرفه جميعاً، ويبرهن على ذلك بتأكيده على وجود موتى يعيشون بيننا، وآخرين أحياء رغم مفارقة أرواحهم أجسادهم. قد يقول قائل هنا، بأن غياب الذكر هو موت آخر للإنسان، بمعنى أن الحياة فقط يملكها المشاهير، المؤثرون، المتحكمون بعوالم الإعلام، والتجارة، والصناعة، وغيرها، أما أولئك المغمورون، الغائبون عن بؤرة المشهد، المكتفون بالظهور المتقطع على هامشه، فهم أموات بشكل أو بآخر، فلا الصحافة تجري خلفهم، ولا القنوات الفضائية تغطي أخبارهم، ولا يلتفت إليهم أحد إن حضروا، وإن غابوا. من وجهة نظري الشخصية هذا الكلام غير صحيح بالمرة، فالشهرة ليست معياراً لأي شيء ذي قيمة، بل إن الكثير من المشاهير هم أبعد الناس عن الحياة الحقيقية، وغالباً ما يكتشفون هذه الحقيقة المرة في سنوات حياتهم الأخيرة، عندما تنحسر الأضواء عنهم، ويبقون أسرى عزلتهم الاختيارية. في إحدى الندوات، سألني أحد الحاضرين عن نوع الشهرة التي أتمناها؟ فقلت له على الفور «أتمنى أن أكون نصف مشهور، فالشهرة الواسعة خديعة كبرى، تسرق منك أجمل لحظاتك، وتوهمك بأنك سلطان زمانك، وعندما تعتادها، ولا تقوى على فراقها، تغادرك فجأة، حتى دون وداع». أثناء تناولي طعام العشاء في أحد مطاعم الجي بي آر، دخل علينا فنان عربي شهير برفقة عائلته، وخلال أقل من ساعة قضاها داخل المطعم، لم يستطع أن يهنأ بلقمة واحدة يتناولها دون مقاطعة من معجبة، أو ترحيب من نادل. وأنا أراه منصرفاً عمن جاؤوا معه، ومنشغلاً بالتعامل مع الجمهور، سألت نفسي: هل هو حي؟ أو بمعنى أدق: هل الشهرة منحته الحياة، أم سرقتها منه؟ من وجهة نظري الشخصية، أرى أن مفهوم الحياة أعمق من ذلك بكثير، فنحن أحياء ما دمنا نعيش حياتنا وفق قناعاتنا الشخصية، لا كما يرغب الناس أن نعيش، فنمط حياتي قد لا ينال إعجابك، ونمط حياتك قد لا ينال إعجابي، وإنجازاتي قد لا تنال تقديرك، وإنجازاتك قد لا تنال تقديري. كل ذلك لا يهم، فالأهم من ذلك كله أن أكون راضياً عن نفسي، وأن تكون راضياً عن نفسك. [email protected]