الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

لئلا يضيع المعروف

يذكر تاريخنا أن فارساً كان يمر بين مدينتين فرأى رجلاً يصيح من الألم، ونزل من فوره، وحمل ذاك المريض فوق صهوة حصانه ليأخذه معه إلى المدينة، ولكن الرجل الذي كان يدعي المرض لم يكن إلا لصاً انتهز نبل هذا الفارس وسرق حصانه، لكن الفارس صاح باللص قائلاً خذ الحصان فهو لك، ولكن أرجوك لا تخبر أحداً بهذه القصة لئلا يضيع المعروف بين الناس. فالأحاديث المتكررة عن الخداع والتحايل ونصب الشراك للإيقاع بالآخرين باتت لا تخلو منها مجلس، حقنت أذهاننا بقناعات تنأى بِنَا تماماً عن إغاثة الملهوف وعابر السبيل ومساعدة الفقير والمحتاج الذي صرنا نشك بصدقه وحاجته، وقد قيل: لأن تخطئ في الدفع خير من أن تخطئ في المنع، فأن تعطي شخصاً غير ذي حاجة أفضل بألف مرة من أن تمنع العطاء عن شخص بحاجة خشية الخطأ في هذا العطاء. ولعل التشريعات والقوانين الدولية والمحلية صارت تزيدنا بعداً عن بذل المعروف لمن لا نعرف، وذلك لكثرة ما قد ينتج عن تلك الصدقات من مشكلات تؤثر على أمن الدول واستقرارها، ولها الحق في ذلك ما دامت توفر البدائل الآمنة والمضمونة لبلوغ تلك الصدقات. يحكى أن سجيناً في إحدى البلاد قرر الهرب، وخطط لذلك، وبالفعل استطاع تنفيذ خطته وذلك بسرقة حصان الأمير والهرب به إلى خارج المدينة، وكان حصاناً قوياً لا تجاريه الخيول سرعة، ولكن السجين وبعد خروجه وابتعاده عن مطارديه وجد امرأة تحمل طفلاً وهو يصارع الموت، وصارت تستجدي الفارس ليأخذ ابنها ويعود به إلى المدينة، دون أن تعلم بهروبه منها قبل قليل، لكن السجين لم يتردد في أخذ الطفل والعودة به إلى المدينة لمعالجته، ولما أمسك الحراس بالسجين ومثُل أمام الأمير الذي علم بالسبب الذي أعاد السجين إلى المدينة، أمر بإطلاق سراحه ومكافأته على نبل ما قام به، وكل ذلك لئلا يضيع المعروف بين الناس. ثمة مفهومان غالباً ما يغيب أحدهما عن أذهان بعض المسؤولين، فهناك قانون وهناك روح القانون، وما نجده على أرض الواقع هو ما يُدعى بالقانون، مما يدفعنا للتساؤل عن روح القانون، فلو افترضنا أن موقفاً مشابهاً حدث لأحد الأشخاص هل سيتصرف كما تصرف الفارس بالقصة؟